ونفي القعود المعقول على العرش عن الله عز وجل زعم أهل الضلال والجهل: أن الله عز وجل، على العرش، على سبيل القعود والاستقرار. وأن العرش ما فاضل عن مقاعد البارئ، إلا بقدر عرض أصبعين، وأنه يجالسهم يوم القيامة، على كرسي القضاء، إذا أراد أن يحاسب خلقه، جلس على الكرسي. وكذبوا على الله عز وجل حيث وصفوا الله تعالى بالحدود والنهاية، والأقطار، بعد المسافة وقربها. وقد بينا فساد ذلك فيما تقدم فالاستواء على معان:
فمنها: استوى على العرش، على ما هو عليه.
ومنها: استواء للتدبير.
ومنها: استواء الملك. فلما كان من صفة الله: أنه غير محدود ولا يشبه بخلقه، كاستواء الشيء على الشيء، مثل استواء الملك على السرير، دل ذلك أن استواء البارئ تعالى على العرش، بالملك والتدبير والقدرة، ذل له العرش، واستوى له عز وجل كل شي، وذل وأذعن. فليس شيء ممتنعا منه عز وجل وقوله تعالى: { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } فاستواؤه إلى السماء بالملك والتدبير، لا أنه تحول من مكان إلى مكان.
وقيل: { استوى على العرش } أي استولى على العرش، بالملك والتدبير والقهر. وقد استولى على جميع العالم، لهذا المعنى.
وخص العرش بذلك، تشريفا لذكره، كما قالوا في النعمان بن المنذر: ملك الخورنق والسدير. وقد ملك العراقيين جميعا.
وقالوا: إن الخليفة ملك العرب.وقد ملك العجم أيضا قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
... ... ... فالحمد للمهيمن الخلاق
يعني أنه استولى على العراق، وقهر أهلها؛ لأن بشرا لم يقعد على العراق كلها. وإنما قعد في منزله. فأراد الله تعالى بالاستواء: الإخبار عن عظمته وقدرته: أنه فوق الأشياء، بالقهر والسلطان، والقدرة والملك.
Shafi 57