فإن قالوا: النور هو القائل أنا ظلام، فقد كذب النور في قوله، والكذب شر عندكم.
وإن قالوا: الظلام هو القائل: أنا ظلام، والصدق خير فقد فعل الظلام الخير، وعندكم أن الظلام لا يفعل الخير، فلا يجدون سبيلا.
من هذه المسألة مقالة الديصانية: زعمت الديصانية: أن الأشئاء من أصلين - على ما زعمت الماتو تية - نور وظلمة، وأن الخير من النور والشر من الظلمة.
وأن النور حي عالم قادر حساس دراك منه يكون الفعل والحركة؟ والظلمة: موات عاجزة جاهلة راكدة لا فعل لها ولا تمييز معها، وإن الشر يقع منها طباعا، وإن النور جنس واحد، والظلمة جنس واحد،والنور: بياض كله، والظلمة سواد كلها، وإن الظلمة ضد النور، وأشئاء كثيرة تركتها.
يقال لهم: إذا كانت الظلمة غير فاعلة، والأفعال كلها للنور، فكل ما في العالم من سفك الدماء وإيلام الحيوان، ةسائر الضرر والفساد، وكل كذب وفجور وشتم وجور، فمن النور الذي زعمتم أنه لا يفعل إلا الخير.
ويقال لهم: إذا كان لون النور هو البياض، ولون الظلمة هو السواد، فأخبونا عن البرص أخير هو؟ أم شر محبوب هو؟ أم مكروه؟
فإن قالوا: محبوب وخير، كابروا وإن قالوا: مكروه وشر، فقد وجب أن يكون لون النور شرا،
ويسألون عن سواد العيون، وسواد الشعر: حسنان هما أم قبيحان؟ فهذا مالا محيض لهم منه.
ويقال لهم: إذا كان لا شئ إلا نور وظلمة، فمن أين جاءت الحمرة والصفرة؟ فإن قالوا: لاختلاف الأخلاط من القلة والكثرة.
قيل لهم: إن السواد والبياض قد عرف اختلاطهما، ولو خلطا بكل نوع، ما جاءت منهما حمرة وإنما يأتي منهما ألوان بين السواد والبياض، في الكثرة والقلة، فمتى أردتم أن تتأملوا ذلك، فتأملوا. وبالله التوفيق.
الباب الثاني والثلاثون
Shafi 20