الباب التاسع والعشرون
في الرد على الدهرية الذين ذكرهم الله في القرآن
الدهرية وجماعة الهند وأصناف اليونانية، والمتانية والديصانية والمفرونية والمجوس وعبدة الصور والحريانية والصابئون والمدركية، وغيرهم من الملحدة، كلهم أنكروا حدوث العالم، وقالوا بقدمه.
فقالت الدهرية: ان الدنيا لم تزل كما ترى، من مرور الليالي والأيام والشهور والأعوام، ونموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، يعنون مرور الليالي والأيام.
فقال الله تعالى تكذيبا لهم: { وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } حيث أنكروا الخالق، وحدوث العالم، وأن له محدثا أحدثه، وإنما هذه الأجسام أحدثت أنفسها، وقد مر الرد عليهم - فيما تقدم - في باب حدوث العالم.
فإن قال قائل إذا قلتم: إن البارئ - عز وجل - غني لا مغني له، عزيز لا معز له، سميع لا مسمع له، بصير لا مبصر له، عليم لا معلم له، قادر لا مقدر له. فلم لا أثبتم مفعولا لا فاعل له؟
قيل له: لا يجب ما قلت، وذلك أن الغنى الذي قلنا: لا مغني له، والعزيز الذي قلنا: لا معز له، والعليم الذي قلنا: لا معلم له قلنا: ليس معزوز فيقتضي ذلك معزا وليس بمعلم فيقضي ذلك معلما.
وكذلك ما سألتمونا عنه، فليس يجب أنه إذا قلنا: حيا ليس بمعز ولا معلم، لا يقتضي معزا، ولا معلما، أن يزعم المعز لا يقتضي معزا، والمعلم لا يقتضي معلما، أن المفعول لا يقتضي مفعولا، وعليم وعزيز وزنه فعيل، وفعيل لا يقتضي مفعولا.
ومفعول يقتضي فاعلا، فالعالم العزيز الذي بيناه، لا معلم له، ولا مقدر له، لم يزل قديما؛ لأن معنى المفعول: أنه لم يكن ثم كان، ومعنى القديم: أنه لم يزل موجودا، فإذا لم يجز أن يثبت المفعول قديما، فقد وجب أن المفعول يقتضي فاعلا فعله، بعد أن لم يكن فكان.
فصل
إن قالت الدهرية: ما تنكرون أن تكون الأجسام التي دللتم أنها محدثه، أحدثت بعضها بعضا.
Shafi 17