وإنما معنى أضل الله: أنه لم يهد، ولم يعصم، ولم يوفق. إنما هو فقدان الهدى، ليس اختيار الكافر. كما يقال: خذل فلان فلانا. إنما يعني يخذلانه إياه: أنه لم ينصره، ولم يعنه، لا أنه فعال به فعلا في خذلانه إياه شيئا، أكثر من تره النصرة والمعونة. وليست الضلالة والخذلان ابتداء من الله تعالى بوجودهما كان الكفر. لو كان كذلك، لكانت الحجة للكافرين يوم القيامة يقولون: أضللتنا عن الهدى، وخذلتنا عن الإيمان، فلم نقدر أن نؤمن ونتقي ونعمل صالحا.
وقوله تعالى: { وأضله الله على علم } معناه: على علم منه بضلال للعبد الضال.
وقيل في قوله: تعالى: { ويضل الله الظالمين } أي يهلكهم ويعاقبهم. فالضلال. منه: الهلاك. ومنه: الذهاب عن الصواب. وقال الله تعالى: { وضلوا عن سبيل الله } أي ذهبوا عن الحق فالله تعالى لا يبتدئ عبدا بضلال. يقال: أضل الله وأضل الشيطان. وأضل الناس بعضهم بعضا. فأضل الشيطان: أي دعا وزين ورغب في المعصية.
وكذلك ضلالة السامري، وضلالة الناس بعضهم بعضا وليس ضلال الله دعا وزين الكفر. ولكن لم يهد، ولم يعصم، ولم يوفق وذلك عند فعل الكافر، كما قدمنا. وبالله التوفيق.
الباب الثاني والثلاثون والمائة
في الرضا والمحبة والسخط والغضب
من الله تعالى للعباد
الرضى والمحبة والسخط والغضب. كل ذلك صفة الله، من صفات فعله. لا شيء يحل في ذاته عز وجل؛ لأن ذاته تعالى، إنما المراد بذلك إثباته. لا شيء كالأشخاص، يحل فيه الرضى والمحبة، والسخط والغضب. وإنما الرضى والمحبة من الله، إذا رضى على عبد، أثابه في الجنة، بقدر عمله. وإذا سخط وغضب على عبده، عاقبه في النار، بقدر عمله. فلا يوصف البارئ تعالى، بالرضى والمحبة، والسخط والعقوبة، بما يوصف المخلوقون، أنه يحل فيه كما يحل فيهم.
Shafi 118