بسم الله الرحمن الرحيم
Shafi 4
( حمدا لمن بالسيوف الحق قد قصلا رقاب من حاد عن نهج الهدى وغلا ) قوله حمدا هو مصدر مؤكد للفعل أي حمدت حمدا أو أحمد حمدا والحمد هو الثناء والمدح وهل الحمد والمدح أخوان أو بينهما عموما وخصوص فالحمد أي الوصف بالجميل ثابت لله وكل من صفاته جميل وعلق الحمد أي بالوصف وقوله لمن اللام هل هي للاستحقاق أو الاختصاص أو للملك والاولى هنا أن تكون للاستحقاق أو للاختصاص ومن صفة الموصوف وهو الله الواجب الوجود لذاته وقوله بسيوف الباء للالصاق أو المصاحبة ولم نقل للاستعانة تنزيها لله لأنه الغني لا يستعين بمخلوقاته والسيوف هي الآلة المعدة للحرب المعلومة عند الناس وهل المراد هنا هي السيوف حقيقية أو البراهين والآيات القاطعة لجدال من حاد الله ورسوله شبهها بالسيوف القاطعة لرقاب من عاند الحق وعاداه فهو من أعلا طرق التشبيه كقولك زيد أسد وأن قلنا المراد هنا هي السيوف المعروفة فيكون الكلام من باب قوله تعالى ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) قوله الحق هنا هو نقيض الباطل قوله قصلا أي قطع والقصل إي هو القطع والإلف للاطلاق قوله رقاب هل المراد بها حقيقة وهي العضو الموجود في الإنسان الذي هو محل الذبح من الحيوان فان قلنا أن السيوف هي الآلة المعهودة فالرقاب حقيقة وإن قلنا إنها الحجج القاطعة فالرقاب مجاز 00 قوله من موصولة بمعنى الذي وقوله حاد أي مال والنهج هي الطريق الواضح قوله الهدى هو ضد الضلال وفي القرآن الهدى له وجهان بيان وتوفيق فالبيان كقوله الله تعالى ( وأما ثمود فهديناهم ) وقوله ( وهديناه النجدين ) والثاني هو التوفيق لمرضاة الله تعالى وهو المراد هنا الأول قوله وغلا أي جاوز الحد والمراد مجاوزة حدود الشرع وفي البيت براعة استهلال وهو أن يذكر المقصود في أول بيت إلى بيت سبعة أبيات.
Shafi 5
( ثم الصلاة لمن بالسيف مبعثه والآل والصحب من فاقوا سطا وعلا ) ثم للعطف والمهلة والترتيب والصلاة لغة هي الدعاء والرحمة والاستغفار وحسن الثناء من الله على رسوله صلى الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وشرعا عبادة مشتملة على قراءة وركوع وسجود قوله لمن اللام للاستحقاق والاختصاص ومن موصولة بمعنى الذي قوله لمن بالسيف الباء للاستعانة والسيف معلوم 00 وقوله مبعثه أي مثارة والبعث الرسالة وبعثه أرسله وأثاره 00 وقوله والآل كل من تبعه على سنته إلى يوم القيامة لان آل محمد صلى الله عليه وسلم كل تقي نقي ولأنه لا يختص بأهل بيته هنا قوله الصحب جمع صاحب وهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهل يعم كل مسلم في زمانه ولو لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم أو يختص بمن صحبه وشاهده قوله من موصولة بمعنى الذين وقوله فاقوا الفوق ضد التحت وفلان فاق أصحابه علاهم بالشرف قوله سطا اسم للسطوة وسطا عليه مال أو قهر بالبطش وهو نقيض الجبن قوله علا قال في القاموس علو الشيء مثلثة وعلاوته بالضم وعاليته أرفعه وانتصاب سطا وعلا على التميز.
( البايعين لمولاهم نفوسهم بجنة الخلد لا زالت لهم نزلا )
قوله البايعين لمولاهم البيع لغة إخراج الشيء من مالكه بعوض باعه يبيعه بيعا ومبيعا في القاموس والقياس مباعا إذا باعه وإذا اشتراه ومولى الشيء مالكه ويطلق على المملوك تقول هذا مولى فلان أي مملوكة قوله نفوسهم النفس لغة الروح والدم والجسد وهو المراد هنا قوله بجنة الباء للعوض كبعثة بدرهم الجنة هي البستان المشتملة على أشجار وأنهار الخلد المكث والقيام بالمكان قوله لازالت لهم نزلا أي ما فارقوها ولا فارقتهم وقوله نزلا النزل بضمتين المنزل المهيأ للضيف أن ينزل فيه الألف للاطلاق.
Shafi 6
( مني عليهم سلام الله ما تليت أي الجهاد ، وما بدر العلى كملا ) قوله مني أي من الناظم رحمه الله على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وما ظرفية زمانية قوله آي الجهاد جمع آية من القران والجهاد الشاق على النفس ومنه سمى قتال الأعداء جهاد ولغة استفراغ الوسع قوله وما بدر ما ظرفية زمانية والبدر اسم للقمر بعد ثلاثة أيام إلى يوم سبعة وعشرين قوله كملا أي كمل نوره وكماله في ثلاثة أيام وهن الثالثة عشر والرابعة عشر والخامس عشر وتسمى ليالي البيض .
مقدمة في حد البغي وثمرته :
( وبعد فالبغي صراع لصاحبة وهل ترى باغيا إلا وقد خذلا )
( وهو استطالة بعض المسلمين على بعض على غير منهاج الهدى فعلا )
( ومنه تصدر أفعال أفعال القبائح مثل القتل والاخذ للمال الذي حظلا )
( والانتصار لغير الحق والغضب المر دي حمية أهل الكفر فاحتفلا )
( ومنه يصدر من فعل القلوب عناد الحق مع رده والكفر و الخيلا )
( ومن لوزمه نصر العدو معا داة الولي الاذى التخويف فد حصلا )
( وهذه أن حواها فاعل كملت دعائم الكفر فيه بئس ما فعلا )
حد الناظم البغي أنه استطالة المسلمين على بعض بغير الحق ولو قيل البغي الاستطالة من العقلاء على طريقة الحق لكان أعم وعد ثمرته بقوله ومنه تصدر أفعال القبائح مثل القتل وأخذ المال والانتصار لغير الحق والغضب لغير الله والحمية لاهل الكفر وعناد الحق ورده ونصر عدو المسلمين ومعاداتهم وإذا هم وتخويفهم وفي المقام مسائل.
المسألة الأولى : في البغي قال في القاموس بغي يبغي بغيا عدا وظلم وعدل عن الحق واستطال وكذب وفي مشيه اختال.
Shafi 7
المسألة الثانية : في القبائح القبح بالضم ضد الحسن في الهيآت والأفعال أما في الهيآت فهي المرادة هنا وهى ضد ما حسن شرعا لأن الأفعال الواجبة والمحرمة والمندوبة والمكروهة لا ينظر فيها إلى تقبيح العقل لشيء منها كالصدق الضار و لا إلى تحسينه وإنما ينظر فيها إلى تقبيح الشارع لها لايجابة اللوم والعقاب لفاعلها وتحسينه لشيء لجعل الثواب لفاعلها والمدح له وفي أجوبة الشيخ السالمي رحمة الله الباغي هو الذي تعدى حدود الله كان ذلك بمنع الحق أو بظلم الغير أو بالاصرار على الباطل من مكابرة وعنادا يقال بغي عليه إذا ببغي وظلم وعدا عن الحق واستطال وقال الفراء في قوله تعالى والإثم والبغي بغير الحق أن البغي الاستطالة على الناس بغير الحق وقال الازهري معناه الكبر وقيل هو الظلم والفساد وقال الازهري معناه الفساد وفلان يبغي على الناس إذا ظلمهم وأذاهم وقال الجوهري كل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء بغي ومن هنا ينشأ الاسم للباغي قال الباغي المتصف بالبغي ويثيب عليه البغي شرعا بأمور منها أن يخرج عن طاعة الإمام العادل بعد وجوب طاعته عليه لخروج طلحة والزبير على علي ومنها أن يبطل الإمام الحدود ويتسلط على الرعية ويفعل فيهم بهوى نفسه فيستتيبونه فيصر على ذلك فيصير بعد الإمامة جبارا عنيدا فيكون بذلك باغيا على المسلمين يجوز لكل أحد قتله ليريح الناس من ظلمه وفساده قال فان أمكن الاجتماع عليه فهو أولى.
Shafi 8
ومنها أن يقصد الرجل رجلا ليقتله أو ليضربه أو ليؤذيه أو ليذله الحق أو لينتهك حريمه أو حريم أهله فينهاه فلم ينته فان له في هذه المواضع أن يدافعه بما أمكن وان أقضي إلى قتلة فلا بأس عليه بل يجب عليه في بعض الصور أن يقتله ومنها أن يقصد ماله ليأخذه فانه باغيا إذا نزعه أو أراد نزعه أو حال بينه وبينه أو قصده لينتفع به من غير ضرورة أو ليفسده ولو بتنفير دابته أو طرد رقيقة فانه يحل دفاعه بذلك كله وقتله أن لم يرتدع وكذلك إذا رآه بغي على الناس أو علمه أو اقر معه فانه يجوز لكل أحد أن يرد البغي ويجب على كل قادر على ذلك وهذا معني قولهم لا يصح لذي الحق يقوله للغير لا
تدافعه أو اتركه أو لا تمنعه لان قوله بذلك مناقض لأمره تعالى الفئة الباغية وقال الشيخ صالح بن علي أن البغي الظلم والعلو على العباد والاستطالة والمحاددة بغير الحق ولو قيل المكابرة للشرع والمخالفة له والمحاددة على الباطل لكان حسنا والباغي المباح دمه شرعا هو من عمل البغي وأصر عليه وكابر وحادد ولا يرتدع إلا بقتله.
المسألة الثالثة : في القتل هو إزهاق الروح من الجسد وهو اما واجب كقتل المشرك والباغي والمؤذيات طبعا كالحية والعقرب وغيرها وأما حرام كقتل المؤمن عمدا عدوانا وكقتل صيد الحرم وقتل المعاهد ولو مشركا وأما متاح كقتل الحيوانات من البهائم لأكل لحمها ومراد الناظم هنا القتل المحرم من المكلفين وهو العمد العدواني.
المسألة الرابعة:
Shafi 9
الأخذ هو التناول للشيء وهو أما حرام كأخذ الأموال غصبا من غير حلها أو واجب كأخذها من حلها بالكسب أو لتنجية نفسه أو صاحبة أو دابته أو أخذها لتنجيتها لصاحبها من مهلكها أو متلفها أو غاضبها وأما مندوب كأخذها من المباحات كالمعادن والأشجار والقفار وما يتعارف به الناس فيما بتنهم ومراد النظام هنا الأخذ المحرم لقوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مال أمر مسلم إلا بطيبة نفسه وقد بينه بقوله الذي حظلا أي منع من تصرف غير مالكه فيه.
المسألة الخامسة :
في الانتصار والانتصار هو أخذ الحق من الظالم شرعا لقوله ولمن أنتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل وله شروط محل بسطها كتب الفقه مفصلة وأما الانتصار لغير الحق فهو ظلم محض بل هو من أقبح الظلم لقول العلماء أظلم الناس من باع دينه غيره وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فمعناه أن كان ظالما فرده عن ظلمه لأن رده عن ظلمه هو النصرة له
المسألة السادسة :
في الغضب والغضب هو غليان دم القلب فيظهر أثره على الجسد وأيضا هو حركة النفس مبدأها إرادة الانتقام قال النبي عليه الصلاة والسلام من كظم غيظا وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا .
وروي عن الحسن البصري أنه قال ويحك ابن أدم إذا غضبت وثبت يوشك إذ تثب فتقع في النار وروي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عظني يا رسول الله . فقال له : لا تغضب ولك الجنة فقال زذني فقال استغفر الله بعد صلاة المغرب سبعين مرة يغفر الله لك ذنوب سبعين عاما . فقال زذني . فقال : لا تسأل الناس يحبك الله وأعلم أن الغضب يكون واجبا وهو عند انتهاك حرمات الله ويكون حراما وهو الغضب في مخالفة الشرع وهو المهلك.
المسألة السابعة :
Shafi 10
في الحمية وهي ميل الطلب إلى انتصار المبطل قوله الحمية هي العصية في الباطل قال تعالى الحمية حمية الجاهلية . وقال ينبغي للمرء إذا أصابته الحمية وهو يجري فأنه يرجع يمشي وإذا أصابته ماشيا فأنه يقف وإذا أصابته واقفا فانه يقعد فإذا أصابته قاعدا فانه يرقد حتى يزول عنه ذلك قوله الكفر ينقسم إلى قسمين الأول أن الكفر لغة التغطية وشرعا ينقسم إلى كفر شرك ونفاق فالكفر الشركي هو القادح في ذات الله وصفاته أو تكذيب أحد من رسله أو شيء من كتبه وضابطه مساواة الخالق بالمخلوق في الذات والصفات والأفعال ولله سبحانه وتعالى لا يماثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في شيء من كمالاته التي لا تحصى ولا تستقضى وبأنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وبأنه لم يزل عالما بما كان وما يكون وما هو كاين أن لو كان كيف يكون وأنه لا تبدو له البدوات في شيء ما وأنه محيي كل حي ومميت كل ميت وأنه منشىء الدنيا والآخرة ومالك الدنيا والآخرة وبأنه منجز لوعده ووعيده وبأنه لا معقب لحكمه ولا مبدل لكلماته وبأنه لا اله إلا هو وبأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبأنه ما جاء به من عند ربه فهو حق وبأنه بلغ كل ما أمره الله بتبليغه ومن الكفر الشرك الجحود لشيء من الكتب والرسل والبعث والحساب والعقاب لاحتياله بذلك الإنكار في نقض أبطال اتصافه تعالى بالكمالات وإنكار الرسل يستلزم اتصافه تعالى بكونه غير مرسل وإنكار الكتب يستلزم اتصافه تعالى بأنه غير منزل لها وإنكار البعث يستلزم اتصافه بكونه عير باعث وإنكار الحساب يستلزم اتصافه بكونه غير محاسب والقسم الثاني من الكفر هو كفر النعمة وهو أيضا ينقسم إلى قسمين نفاق بعد عن الحق بالتأويل الفاسد ونفاق وعدم الوفاء بالدين كارتكاب المحرمات شرعا وترك المفترضات وله تفاصيل تطلب منن محلها.
المسألة الثامنة :
Shafi 11
فيما يصدر من الحمية والغضب قوله تصدر رافعا القلوب وهو عناد الحق ورده والكفر والخيلا أصل هذه الأشياء هو الكبر وثمرته تظهر على الجوارح فينتج منه عناد الحق وهو مخالفته ورده ومفارقته ومعارضته وهو من الكبائر إذا ظهر والكفر مر الكلام فيه قريبا فراجعه والخيلاء أيضا من ثمرة الكبر تظهر على الجوارح في المشي واللباس والكلام وقد حرمه لله تعالى بقوله ( أن الله لا يحب كل مختال فخور ) وبقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة لما تتبختر بين الصفين هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع ولترجع في هذا الموضع ولترجع إلى المقصود لما نحن بصدده وألا فالكلام يطول ومن أراده فليطلبه من محله.
الباب الأول في صنوف البغاة ..
( أما البغاة صنوف منهم فئة جاءت تقاتل أخرى في البيوت بلا )
( حق وتخرجهم جهرا وتسلبهم قهرا وتستأصل الأموال والنسلا )
( كذا إذا قصدوهم في طريقهم ومنهم معتد قد قطع السنبلا )
( ومنهم سالب للمال منتهب جهرا يدين بتحريم الذي أكلا )
Shafi 12
( ومنهم آخذ للمال مختلس ومنهم سارق بالسر قد خزلا ) الكلام أولا فيما تقتضيه معاني الكلام في هذه الأبيات الخمسة لأنه جعل لأحكامها بابا مستقلا فنتكلم هنالك أن شاء الله بما يسره الله من الأحكام عليها قوله أما فهي هنا للتفصيل وهو غالب أحوالها كقوله تعالى أما الغلام وأما السفينة وقد تبدل همزتها ياء وهي لغة فصحاء وقد تكون شرطية قوله البغاة جمع باغي وتقدم الكلام عليه بأنه الاستطالة على الغير بغير الحق قوله صنوف الصنف بالكسر النوع جمعه أصناف وصنوف قولهم منهم من البيان الجنس أو للتبعيص والضمير راجع إلى البغاة قوله فئة الفئة الطائفة من الناس قوله جاءت أي أقبلت تقاتل أخرى المقاتلة مفاعلة لا تكون الا بين أثنين فصاعدا أخرى صفة لموصوف محذوف أي فئة أخرى قوله في البيوت جمع بيت وهو شامل لبيوت المدر والصوف والمراد به هنا عموم الأمكنة التي هي ملك للمبغي عليهم لا نفس البيوت فقط قوله بلا حق أي أن مجيئهم بغيا لا لطلب حق لهم ولا لغيرهم وتخرجهم أي تزعجهم منها جهرا والجهر ضد السر وانتصابه على الحال وقولهم تسلبهم قهرا أي تأخذا أموالهم قهرا والسلب أصله الأخذ اختلاسا قوله وتستأصل الأموال أي تقطعها من أصلها والنسل هم الأولاد اسم شامل للبنين والبنات قوله كذا إذا قصدوهم في طريقهم أي اعترضوا لهم بغير حق قوله ومنهم من تبغيضية وهم إشارة إلى البغاة أي من البغاة صنف قطع السبلا أي أخاف المار فيها فصارت مقطوعة والقطع لغة الإبانة والإزالة وأما أحكام قطع الطرق فسيأتي ومنهم أي البغاة سالب للمال السلب لغة تقدم معناه وأما عرفا فهو أخذ السلاح والنهب أصله أخذ الغنيمة ونهبه أخذه مجاهرة والاسم النهبة بالضم أي يستحله ديانة يعتقد استحلاله بها أو انتهاكا يدين بتحريمه فيركبه والأكل هنا يشمل الأخذ بأي وجه كان من طرقة ليس المراد القضم بالفم فقط كقوله تعالى ( لا تأكلوا أمولكم بينكم بالباطل قوله مختلس أي أخذ له سرا ومنهم سارق السرقة أخذ المال خفية ولها تفصيل وأحكام في محلها قوله خزلا أي قطع وأصل الانخزال إزالة بعض من بعض أي شيء من شيء بغير شدة.
الباب الثاني في أحكام البغاة :
( والحكم مختلف فيهم فأولهم قتاله واجب لا شك حين غلا )
( والشك في كفره حجر وتركهم إياه يقتلهم حجر كمن فعلا )
قوله الحكم بالضم هو أعم منن القضاء لصداقه على حكم من حكمه الخصمان وعلى من نصبه الأمام والجماعة وفي القاموس الحكم ومادته من الأحكام بكسر الهمزة وهو الإتقان للشيء ونفيه من العيب ومنه القضاء وله أركان حاكم ومحكوم عليه ومحكوم له به ومحكوم فيه قوله مختلف أي أن الحكم مختلف في البغاة المقدم ذكرهم فأوهم أي البغض من أصنافهم فهم الباغية التي جاءت تقاتل قوما مبغيا عليهم في مكاناتهم كقتل رجالهم وتنهب أموالهم وتسبى نسلهم مجاهرة بغير حق فهؤلاء يجب قتالهم ودفعهم عن الأنفس والأموال وجوبا حتميا وفي المقام مسائل.
المسألة الأولى :
فيما يثبت به البغي قال في النيل يثبت البغي في نفس أو مال أو فرج وفي كل فاحشة وأن مع رجال أو نساء ويدفع قاصدها ولو عن الغير ويكون في نفس بما يقتل به كضرب بسلاح وهو ما يكون به موت المضروب والو عصى بها حديد وبما يتوهم به منه قتل ويثبت به جرح كضرب بعود أو حجر أو عظم ونحوه أو لا يثبت به جرح ويحصل به ألم أو لا يحصل كامساك بيد أو رجل أو ثوب أو جسد مطلقا أو إرادة إمساكه أو مسه بتعدية أو بعد حجر أو إرادة نزع كلباس أو سلاح أو دابة أو سفينة أو إمساك ذلك على حجر إلى أن قال ويثبت في المال بنزعه أو إرادته أو بمنع منه أو بانتفاع بقصد إليه أو لأخذه به أو إفساده ولو بتنفير دابة أو طرد رقيق وحل الدفاع بذلك كله أن لم يندفع إلا به.
المسألة الثانية :
Shafi 14
فيمن يجب عليه دفع الباغي عن نفسه وماله ويضيق عليه الجهل بتركه وعدم تخطيته ويحرم عليه الشك في قتاله يجب على كل بالغ عاقل ذكرا أو أنثى أو عبد قال القطب رحمه الله وجب عليهم أن يعملوا بذلك وأن يعملوا أن علمهم به واجب ولا يكفرون بالجهل حتى يشرع في قتالهم وهلكوا أن تركوا الدفع والقتال حتى قتلهم وكفروا كفر نفاق أن تركوه حتى قتلهم سواء جهلوا حرمة دمائهم أو علموها لكن أن علموا كفروا من وجه واحد وأن جهلوا كفروا من جهة الجهل أيضا إلى هذه الحالة ومن الترك لأنه يجب على المكلف علم حرمة دمه النفس وما دونه من الجرح والأثر وإبطال منفعة عضو بالتوحيد الذي عنده وقيل لا يكفر حتى يأخذ حرمة ذلك أو يراد قتله وقيل كفروا مرتين كفرا بجهل وكفرا باقتراف و لا يكفر بتركه إلى أموالهم أن لم يعتقدوا أنها حلال للباغي ، قال الشيخ الخليلي رحمه الله والدفاع عن الأنفس فرض عين يجب على الحر والعبد والذكر والأنثى والموسر والمعمر ونقل عن الشيخ الصبحي وأبي سعيد مثله.
المسألة الثالثة :
الدفاع عن المال ينقسم إلى واجب وجائز فالواجب كالسلاح الذي لا غنى عنه في حالته تلك والثوب
الساتر للعورة وقوت نفسه الذي أن تركه مات جوعا والماء الذي أن تركه هلك عطشا والدابة التي أن تركها هلك لعدم قوته على المشي أو الدثار الذي أن تركه مات بردا فهذا وأنواعه من الواجب أن يدفع عنه ويجوز الفضيلة بذلك والقسم الثاني الذي عنه غنى في تلك الحالة فهذا يجوز له تركه ويجوز له القتال بالدفاع عنه لقوله صلى الله عليه وسلم المقتول دون ماله شهيد والدفاع عنه من أخلاق الكرام.
المسالة الرابعة :
Shafi 15
هل الواجب الدفاع عن البلد أو عن القرية أو عن المصر كله وهل عمان كلها مصر واحد أو هي والبحرين كما ذكره ابن النظر وغيره وفي مسألة الجهاد عن الشيخ الخليلي رحمه الله ما نصه قلت له فوجوب الدفاع عن البلد أو عن القرية أو عن المصر أهو على الترتيب أم على الإطلاق في وقت الحاجة إليه قال هذا مما يختلف فيه قيل لزومه على الإطلاق في وقت الحاجة إليه وقيل على الترتيب وقيل أن كان العدو قاصدا للجميع فهو على الإطلاق وإلا فهو على الترتيب قلت وما هذا الترتيب المذكور وما وجهه قال أن كان الخصم قاصدا لشخص بعينه وهو قادر على دفعه لم يلزم ذلك أهل البلد ولا من حضره فان لم يكف نفسه لزم ذلك أهل بلده ولا يلزم أهل قريته وكذا أن كان الخصم متعينا لبلد فلا يلزم أهل القرية وقيل أن لم يكف أهل البلد لدفعهم فعلى أهل القرية وقيل لا يلزم أهل\قرية الخروج دفاعا عن قرية أخرى وهو أكثر القول وقيل إذا لم يكف أهل القرية للدفاع فعلى من يليهم من البلدان والقرى أولا فأولا حتى يأتي على أهل المصر كله فهذا القول أصح ولا يلزم الترتيب وأن كان العدو خصما لبلد أو قرية فالقول بالترتيب أصح في النظر قلت له فهل في الدفاع من قول يصح في الرأي غير هذا قال نعم قد قيل أن كان جبار في عمان إذا أصر على ظلمه وامتنع عن الانقياد إلى الحق وحكمه فقتاله دفاع يجب على أهل المصر جميعا لأنه لدفع ظلمه وفساده وإزالة جوره وعناده فدفع ظلمه الواقع بالخلق كدفع الخصم الخارج المخوف منه وقوع الظلم بل أشد لأنه هذا واقع وذلك مخوف أن يقع والبلية يدفع الواقع أشد وفي قول الصبحي على أن القول بهذا يشبه الأنفاق من أهل العلم فيما يشبه الأنفاق أن عمان كالبلد في حكم الجهاد لعدوها وأنا نحفظ ذلك عن عامة أهل العلم إلا من شاء الله منهم وأن جهادها دفاع كان هذا من رأى الإمام راشد بن سعيد رحمه الله ومن تابعه في زمانه انتهى بلفظه وفيه ما دل أن جهاد عمان كله دفاع فأنظر كيف رتب أولا في الدفاع قال أن عمان كالبلد في الجهاد لعدوها ثم لم يكتف بذلك حتى أوضح قاعدة أخرى هي أكبر وأعم من الأولى فقال عاطفا بالنسق وأن جهادها دفاع فدل بظاهر إطلاقه على أن جهاد عمان دفاع كله فهو شامل لجميع الصور قلت له فهل في الأثر قول وأضح من هذا في معناه فأن قوله وأن جهادها دفاع يأتي التأويل على غير ذلك قال نعم أن وردت المزير فيه فهاك من كتاب لباب الإيثار مسألة في الإمام هل له جبر الرعية للجهاد من وجب علبه على وصفه في الأثر قال معي أن في ذلك اختلافا فأن كان هو خارجا على عدوه من أهل الحرب والإنكار أو من أهل التوحيد والاقرار فهنا محل الخلاف وأن كان هو المخروج عليه فجبرهم على مصالحهم أوجب والزم إذا كان لهم فيه الصلاح الظاهر مسألة خامسة في الدفاع عن مال من جهاد عليه ببعض ماله إذا لم يكن للإمام أو الجماعة من الجنود والعساكر ما يدفعون به الظالم الباغي والمعتدي وذلك كالغايب واليتيم والمساجد والأفلاج والأوقاف فهل يجوز الأخذ من هذه الوجوه لبقاء بعضها أو لا فقيل لا سبيل على مال هؤلاء لأنه لا جهاد عليهم ولا دفاع وفي قول أخر يجوز أن كان ذلك دفاعا عن الجميع وقد أجاز الفقهاء أن يدافع بشيء من أموال هؤلاء المذكورين لسلامة أموالهم وأنفسهم نظرا في المصالح وجواز ذلك للدفاع بالقتال عنهم والذب والحماية لأموالهم أعز للإسلام وانكأ للعدو وأكبت للبغاة وأرضي الله تعالى بالجواز كما نطق به الأثر وأنه لصحيح في النظر قلت له ومن هذا القبيل ما عمل به الأشياخ المتأخرون من كفت الافلاج للمدافعة عن الرعية في موضع الخوف عليها وفيها الغايب واليتيم والوقف وغيره وقد أجازوه على الجميع ويرفع ذلك عن الشيخ أحمد بن مفرج قال هكذا قيل أنهم عملوا بذلك في دفع الجبار ببعض المال وقاس عليه الصبحي جواز ذلك لدفعه بالقتال فكان هذا حسنا من قوله جزاه الله عن المسلمين خيرا قلت له وما جاز في هذا أن تقعد له الأفلاج وتكفت هل يجوز على أصول الأموال فيسلم كل أحد على قدر صلب ماله قال هكذا قيل وصرح به الصبحي في كتاب منهاج العدل أن الرجل يقوم بيته ليؤخذ منه قدر ما يملك إذا لم يجحف بمونته ومونة من يلزمه عوله أنتهي واللفظ له قلت له إذا جاز ذلك على الأصول بقدر القيمة أفلا يجوز أن يكون على قدر الغلة فيرتب في أخذه على قدر ذلك قال هكذا عندي أن كان في دفع بمال أو بحماية وقتال فكله سواء قلت له والتجارة والنقود هل يجوز أن تشارك الأصول فيكون لها حكمها قال هكذا عندي وأن لم أجده عن غيري لكنني لا أرى حكم الأموال في العدل الاسواء في ذلك فبأي معنى يلزم الأصول ما لا يلزم غيرها من غير دليل ولا حجة توجبه قلت له فالحيوان والعروض كذلك قال هكذا يظهر لي في ذلك قلت له ولاي معنى خصت الأصول في الأثر ذلك قال لأنها معظم الأموال عند أهل عمان فالتفاهم إليها أكثر ونظرهم إليها في اللازم أوفر حتى كأنهم لم يعتدوا بغيرها لقلته وكثرتها فترك الاشتغال بما لا طائل تحته أولى وإنما ذكرناه لبيان الجواز قلت له فهل لما عمل به هؤلاء الاشياخ من جواز الدفاع بشيء من الأموال أصل في السنة أم كيف الوجه فيه قال الله أعلم وقد يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قد أراد أن يدفع المشركين عن المدينة المشرفة صلحا على الثلث من ثمارها فاحتج به على جواز ذلك موضع الضرورة إليه ولولا أنه لم يكن جائزا لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله والمدينة مصر جامع ولن نجد مصرا يخلو من أحد لا يملك أمره غالبا وما كان تركه الصلح لعدم جوازه لكن لما ظهر له من شدة في أصحابه والجراءة على العدو وعدم مبالاتهم بكثرة الخصم وشدة البأس أنتهي ما نقلناه من كلام الشيخ الخليلي نور الله ضريحه .
Shafi 18
( والحد في القطع منصوص به وعلى الإمام أن ينقذ الحكم الذي نزلا ) الحد الجائز بين شيئين ومنتهى الشيء والدفع والمنع وتأديب المذنب بما يمنعه وغيره وهو المراد هنا وقوله في القطع أي في قطع الطريق وقوله منصوص به أي نص الله عليه بقوله ( أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) أختلف المفسرون في ذلك فقال جمهور العلماء أن أو هاهنا على الترتيب وقال مالك أن أوهنا على التخيير كما وضعت له لأنه الأصل في وضعها ورفع القطب رحمه الله عن عمرو بن فتح من أجل علمائنا المغاربة في تفسير الآية من حارب أو قطع الطريق فأصاب في محاربته الأموال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ومن قطع الطريق من أهل الشرك ثم قدر عليه وأصاب الأموال والأنفس فأنه يصلب ولا يصلب أحد من أهل القبلة وأن جاء تائبا قبل أن يقدر عليه هدر عنه ما أصاب في محاربته ولا يهدر عن أحد من أهل القبلة ما أصابه في محاربته فأن طلبه الإمام فامتنع لا يقارب ولا يترك حتى يسلم لحكم الله تعالى ويقاتل على امتناعه فما أصاب في امتناعه من الأنفس وما دونها من الجراحات يهدر عنه ولا يؤخذ به لأنه لا قصاص بينه وبين المسلمين لا تقيدونه من أنفسهم فيما أصابه منهم وكذا لا يعطونه لأنه إذا نزل قوم بمنزلة من لا نعطيهم القصاص من أنفسنا فيما أصبنا منهم فكذلك لا نأخذ منهم ما أصابوا منا ولا يستقيم أن نستحل قوما فنأخذ منهم القصاص ولا نعطيهم ذلك من أنفسنا و أما النفي الذي ذكره الله فهو أن يطالبهم الإمام و المسلمون بإقامة ما حكم الله فيهم و عليهم من القتل و القطع و الصلب فيهربون و لا يؤمنون في شيء من بلاد المسلمين و ليس ذلك على معنى ما يقول من يقول أن الإمام فيهم مخير إن شاء قتلهم و إن شاء صلبهم و إن شاء قطعهم و إن شاء نفاهم و لا يحل ما يقال أن النفي هو الحبس أي كما قال أبو حنيفة لكن كما فسره العلماء فالنفي يما حكم الله عليهم فيه فيهربون و لا يؤمنون بشيء من بلدان المسلمين و رفع القطب رحمه الله عن الشيخ يوسف بن إبراهيم رحمه الله قال اختلف العلماء في ظاهر هذه الآية و باطنها فمن قائل أنها على ظاهرها فمن وقع اسم الحرابة عليه فالإمام مخير فيه بجميع ما ذكر في الآية من القتل و الصلب و تقطيع الأيدي و الأرجل من خلاف و النفي و بعض يقول أن الآية مرتبطة بلحن الخطاب فيقول يقتلون إن قتلوا و يصلبون إن قتلوا و هم مشركون و تقطع أيدهم و أرجلهم إذا لم يقتلوا الأنفس و لكن أخذوا الأموال و قوله أو ينفوا من الأرض اختلفوا فيه على قولين قال بعضهم النفي أن يطلبوا حتى لا يأمنوا على أنفسهم في من بلدان المسلمين و قال بعضهم النفي أن يسجنوا و ينفوا من على وجه الأرض حتى يؤمن فسادهم أي تفسير قوله أو ينفوا أن يسجنوا و في المقام مسائل.
المسألة الأولى: هل الحكم على قاطع الطريق موقوف على الإمام و لا يقيمه غيره كسائر الحدود أو سائغ للناس جميعا انفاذه في كل زمان إن قدروا و فرق بعضهم فقال القتل جائز لسائر الناس في الظهور و الكتمان و ما سواه لا يجوز إلا للإمام و لعل حجة المحجوزين عموم قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) و حجة المانعين قوله صلى الله عليه و سلم (الحدود و الفيء و الجمعات للإمام ) و أما حجة المفرقين بين القتل و غيره لا علم لي فيه و الله أعلم.
المسألة الثانية: هل القاطع من أخاف الطريق و أعلن الفساد في الأرض و تلك عادته على عموم المار أو من قصد طائفة معينة يسمى قاطعا و يجري عليه الحكم كالعام خلاف قال في النيل و شرحه و لا يحكم عليه بقطع إن قطع على معين كرجل و رجلين أو ثلاثة أو أكثر أو قبيلة أو بلدة و أظهر أن مراد القطع على خصوص هؤلاء إلا إن كانت تلك القبيلة أو سكان البلدة عامة مائة رجل أو أربعين على الخلاف في العادة و الله أعلم.
Shafi 20
المسألة الثالثة: هل الصلب على المشرك و الموحد أو على المشرك فقط فالصلب قبل القتل يصلب حيا و يقتل بالطعن على الخشبة و قيل يقتل و يصلب بعد القتل و قيل بصلب و يترك حيا حتى يموت و الذي يظهر أن القتل قبل الصلب لقول النبي صلى الله عليه و سلم (إذا قتلتم فاحسنوا القتلة) و الله أعلم.
( ولينه عند التهيي ثم يحبس إن أبى و ينفى و الأجرع الأسلا)
( فمن أخاف ولي الله كان كمن قد حارب الله أو عن دينه نصلا)
قوله ولينه عند التهيي للخروج قال في النيل و شرحه إن أخذ في أهبة القطع يسمى قاطعا أي مريد القطع سواء قطع قبل ذلك أو لا فإذا أخذ في هيئة خروج القطع نهاه الجماعة أو قاضيهم أو غيره و الاجتماع عليه أولى عنه فإن أبى عن الخروج للقطع و المقصود زجره عن ذلك بلطف أو عنف بحسب ما يصلح فإن لم ينته حبس طويلا حتى يرضوا أي الجماعة و كذلك إن وكل الرضى إلى القاضي أو السجان و رضاهم يتعلق بحصول إذعانه أو بمصلحة أو عذر يعذرونه فيه و في المقام مسائل.
المسألة الأولى: نظر العقوبات التي لم يقدرها الشارع و لم ينص عليها كتاب و لا سنة فإنها موكلة على نظر القائم بالأمر يقدرها على قدر الجاني و جرمه بشرط أن يكون عالما لا تميله الأهواء و لا يأخذ بالحنة و ذلك موكول إلى السلطان أو من قام مقامه بأمره أو نزل منزلته كالرئيس في عشيرته إذا كانت له عليهم القدرة و اليد الطولى فهو فيهم بمنزلة السلطان أو من أقام السلطان بإذنه من وال أو أجير السيد على أمواله و ليس لهم إبطال العقوبات و الإغضاء عن المنتهك عن المنتهك لمحارم الله فيؤدي ذلك إلى الإخلال بالهيبة و التهاون بالأوامر و النواهي و الجراءة على فعل المنكرات و استباحة الفواحش الموبقات و الله لا يرضى بذلك فالغضب و الإغلاظ واجب على من غضب الله عليه فإن الرحمة و السماحة لها مواضع و وضع كل شيء في موضعه من العدل.
Shafi 21
المسألة الثانية في الحبس ، الحبس لغة هو المنع ومعناه السجن قال الشيخ الخليلي رحمه الله السجن حبس في مضيق فهو أخص والحبس أعم وقد يكون حتى في المسجد والطهر حبس في طميرة وهي حفيرة تحت الأرض فتلك ثلاثة أنواع في الحبس وكلها موجودة في قول المسلمين والمحبس بفتح الميم وسكون الحاء اسم لموضع الحبس وكسر الباء جائز وهو موضع يقصر المحبوس عن الخروج إلى غيرة سواء كان الموضع حصنا حرزا أ لا والأولى أن يكون الحبس في نفسه مانعا عن الخروج لكومنه مسورا بالجدر الحصينة ويغلق بالأبواب الشديدة فأنه أوقر في صدور من حاد الله ورسوله وهل يجوز تركه مكشوفا للبرد والشمس أو لا في ذلك قولان والمنع عن الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب رحمهم الله وكذلك في قول الشيخ ابن سعيد رضي الله عنه وقيل بجوازه لأنه في الأصل عقوبة وتشديد وتضيق وإرهاب يزعج لمن كان من أهله فأنه يصح المنع من مثله وفي النضر ما يدل على التفرقة لاختلاف جنايات المحبوسين فأن كان من أهل الجنايات العظيمة كالقتل والنهب والفواحش الكبيرة كالزنا وشرب الخمر فالجواز هو الأصح لاتفاقهم على العقوبة بالأشد فكيف بالأدنى اللهم إلا أن يخاف عليهم التلف أو ما أشبهه من حال لا يجوز فيه تركهم فالمنع قول واحد انتهى ما نقلنا عن الشيخ الخليلي وأقول أن ذلك كله منوط بنظر الحاكم المشفق على نفسه وعلى رعيته والله أعلم.
Shafi 22
المسألة الثالثة : أن لم يقدر على حبسه لمعاندته قاتلوه أي دافعوه بالرد والحيل ولو لم يقتل لأنه لا يجوز التعرض لمن مضى إلى البغي ولو قبل وصوله بل يجوز في الشروع ولو قبل المضي وأن قطع أي أراد القطع وخرج فيه ولم يجد أكلا ولا فحشا ولا قتلا اتبع حتى يقدر عليه فيحبس حتى ينتهي أي يذعن إلى تركه وينكلوه ويؤدبوه أو يعزروه فأن قاتلهم في اتباعه إياهم قتلوه ونفوه من الأرض أي يدومون في طلبه والبحث عنه والإرسال إلى من نزل عنده أو في حريمه حتى لا يجد مأمنا في أرض المسلمين.
المسألة الرابعة : في قوله فمن أخاف ولي الله كان كمن قد حارب الله الخوف هو ثمرة العداوة والمخيف لأولياء الله قد جاء بأمر شنيع في الدين لأنه من الواجبات الشرعية بعد التوحيد الولاية لأولياء الله والبراءة والعداوة لأعداء الله وهي فورية مضيقة لا يسع جهلها بإجماع الأمة وهي ولاية الجملة وبراءة الجملة وأما ولاية الأشخاص وبراءة الأشخاص فهي باتفاق أصحابنا لا خلاف بينهم فيها وقياس ولاية الأشخاص وبراءة الأشخاص على ولاية وبراءة الجملة جلي العلة المعقولة الموجبة للولاية للأولياء في الجملة هي طاعة الله ورسوله والعلة الموجودة في أعداء الله في الجملة هي معصية الله ورسوله فرد الفرع على الأصل لوجود العلة هو القياس الجلي والولاية ضد العداوة أما الولاية فهي القرب من المطيع ونصرته وحبه والثناء عليه والدعاء له بالرحمة والإعانة له وأما العداوة فهي البعد عن العاصي وبغضه ولعنه وشتمه وأدلة الولاية والعداوة كثير في الكتاب والسنة ومن أراد ذلك فليطلبها من محلها وأما قوله أو عن دينه نصلا أي خرج عن دينه بإخافته لأولياء الله الذين أوجب الله لهم المحبة والنصرة في الدنيا والآخرة فقال في أولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والمخيف لهم قد حارب الله لأنه أتى بعكس ما أمر الله فيهم.
( وطهر الأرض ممن غار ملتبسا بالظلم حالا ولا تصغي لمن عذلا ) ( وهكذا الحكم فيمن صار مشتهرا بالبغي لا يبتغي عن بغيه حولا )
Shafi 23
قوله وطهر الأرض هو خطاب لمفرد يراد به العموم والطهارة لغة ( ضد النجاسة ولما كانت النجاسة تنقسم إلى عينية ومعنوية فالعينية أزالتها بالماء أو ما يقوم مقامة من التراب والشمس والريح والنار والزمان وتطلب أحكامها من محلها والمعنوية هي أفعال المشركين والبغاة فأنها لا تزول إلا بإزالة أصلها وهي الأشخاص الحادثة منها الأفعال القذرة فهذه لا يطهرها إلا الدم المسفوح من تلك الأشخاص بالقتل والقهر المانع لهم من تلك الأفعال والمعنى إزالة ظلم البغاة الملتبسين به في حال إغارتهم في الحال ولا تسمع قول من يعذلك عن ذلك وهكذا المشتهرون بالبغي المعروفون به ولا يبتغون عن بغيهم حولا فكذلك طهر الأرض منهم وفي المقام مسائل :
المسألة الأولى :
هل تجب الدعوة لأهل البغي من أهل القبلة أم لا قيل لا يحل قتالهم حتى يدعوا إلى أحكام الله فأن ردوا الدعوة حل قتالهم ويحل بياتهم والدعوة إنما تكون من قائد المسلمين إلى أمير البغاة لا إلى أفرادهم قال الشيخ خميس رحمه الله في منهجه عن أبي سعيد رحمه الله أنه من بغي على المسلمين من بعد علمه بدعوتهم أنه لا دعوة له وفيما عندي أن ما قاله الشيخ أبو سعيد هو الأصح والدليل على ذلك أن أهل مكة لما نكتوا العهد وقتلوا خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجدد لهم دعوة وغزاهم لما استنصرته خزاعة فقال لا نصرت أن لم أنصركم.
المسألة الثانية :
في المستحل فأنه لا يقاتل قبل الدعوة وتبيين الحجة له فأن رد الدعوة حل قتاله بسفك دمه ولا يحل ماله والخلف فيما أخذه المستحل من مال المسلمين فوجده صاحبه بعينه هل يجوز أخذه أو لا فقيل يحل له أخذه لقوله صلى الله عليه وسلم لا توى على مال امرء مسلم وقيل لا يحل له أخذه قياسا على المشرك وفي المسألة بسط طويل لقطب في أجوبته.
المسألة الثالثة :
Shafi 24
فيمن شهر بغيه وانه يسفك الدماء وينهب الأموال ويظلم الناس بغير الحق فلا شك فيه أنه إذا كان على هذا السبيل فيحل دمه على ما شهر عنه من الظلم والبغي والفساد في الأرض بغير الحق فيقتل بغير دعوة وأن أمكن الدعاء والحجة عليه فذلك أحسن وأقطع للعذر قيل لابي سعيد هل يقتل غيلة قال معي أنه كذلك.
المسألة الرابعة :
قال الشيخ خميس في منهجه لا يستحل قتال قوم دخلوا البلاد حتى يكون منهم الحرب الذي لا يجوز وتقوم عليهم الحجة بذلك قلت في الأثر ما معناه إذا كان القوم غير مأمونين إذا تمكنوا من البلاد فلأهل البلد أن يمنعوهم عن دخولها فأن أبوا عن ذلك جاز لهم دفاعهم وقتالهم قبل تمكنهم في البلاد.
المسألة الخامسة :
إذا خرجت خارجة على المسلمين وبدأوا بالقتال قوتلوا قبل الدعوة ولو رموا بسهم واحد فأصاب أحد أو لم يصب أحد من المسلمين وبدأوا بالقتال قوتلوا قتال أهل البغي حتى يرجعوا عن بغيهم ويكون قتال من بدأ بالقتال فرضا على المسلمين وقامت الحجة للمسلمين عليهم قال الشيخ خميس والدعوة أنما تكون لله ولرسوله ولحكم المسلمين لا تكون للإمام فإذا كانت الدعوة لله ولرسوله ولحكم المسلمين جاز قتالهم بعد الامتناع وإذا كانت إلى طاعة الإمام لم يجز ذلك وكانت دعوة باطل قات وجه قول الشيخ أن أصل دعوة الإمام هي دعوة لله ولرسوله والحكم المسلمين لا يدعوهم إلى طاعة نفسه فأن كان محقا فطاعته واجبه بحكم الله ورسوله لقوله تعالى أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا ولي عليكم عبد مجدع الأنف فاسمعوا له وأطيعوا وأن كان مبطلا فلا طاعة له والله أعلم.
......
( وجائز هجمه وقت الصلاة أو الرقاد والأكل أو إذ كان مشتغلا )
( وواسع قتله والناصرين له والمانعين له أن كان لم يزلا )
Shafi 25
( فارعف السيف منهم كلهم معه ولو بغي بكضرب السوط وارتحلا ) قوله وجائز هجمه أي يهجم عليه في أي حالة كان فيها من صلاة أو رقاد أو أكل أو شرب أو اشتغال بشيء ما. و واسع قتله و قتل من ناصره أو منعه إن كان لم يرجع عن بغيه و لو كان بغيه مما يعد قليلا كضرب عصى أو حصى أو غيره مما يكون بغير حق و لا يندفع إلا بقتاله و في المقام مسائل:
المسألة الأولى :
إذا ثبت بغي الباغي بما يحكم عليه بالبغي به من أي أنواع البغي بعد الحجة عليه والدعوة له لأداء ما يلزمه جاز الهجوم عليه وقيل لا دعوة له لان الدعوة العامة قد بلغتهم قال في شرح النيل وأن لم تبلغهم فلا يعذرون لأنهم قارفوا وأما الدعوة الخاصة التي لا بد منها فقد الزموا أنفسهم ما يبطلها بنهب الأموال فقد حلت دماؤهم بذلك كما تحل بالتبليغ مع المخالفة .
المسألة الثانية :
إذا كان البغي بأخذ مال فأن المبغي عليه يدفعه إلى يأخذ الحق منه كإمام أو وال أو قاض أو جماعة هذا إذا كان المال غيبه الباغي عن المبغي عليه أو خلطه بشيء لا يمتاز منه وذلك لئلا يأخذ حقه بنفسه بضرب الباغي وقتله وإنما له ضربه وقتله إذا كان الباغي ينازع المبغي عليه في ماله من يده أو يجتره منه كقبض دابة من خطامها أو من عضو منها فله قتله ودفاعه في ذلك كله.
المسألة الثالثة :
في غير رب المال إذا ثبت معه بغي الباغي ياي وجه من أنواع الإثبات فله قصده ويمنعه منه ويقاتله عليه أن أبى ويقتله أن لم يجد أخذه الا بقتله أو أدت مدافعته إلى موته ويجعل في يده وينزعه منه حيث كان ياي وجه كان بالنزع ولو لم يكن معه الباغي فإذا وصل إلى المال أخذه وسواء ذلك أمره رب المال بدفع الباغي عن ماله ورده أو لم يأمره لأن الله أمره بقتال الفئة الباغية والقيام بالقسط وأما أن قال له لا تقاتله ولا تدافعه عنه لأنه ماله فلا يتعرض له.
المسألة الرابعة :
Shafi 26
إذا غيب المال عن صاحبة وعلم مكانه كمكان معين قال في النيل وشرحه وجوز لرب المال أن يقصد لماله أن علم مكانه المشخص المعين كبيت مخصوص عرف أنه فيه لا أن عرف أنه في الدار ولا يدري في أي محل هو أو تلف أو لم يكن تلف بل في موضع أخر لا يعلمه دعاه إلى الحق بلا هجوم ولا قتال بل أن دعاه إلى الحق بهجوم وقتال أو هجم وقاتل بلا دعاء للحق كان باغيا مثله يجوز للباغي تسليم المال لصاحبه.
المسألة الخامسة :
إذا كان المأخوذ منه المال باغيا قال القطب بان بغي على إنسان فأخذ منه الإنسان ببغي فهناك بغيان أولهما بغي ذي المال على هذه الصورة وبغي غيره لو بغي غيره عليه بمال أو نفس على ثم بغى صاحب المال بمال أو نفس على حمية أو فتنة ألا أن تاب من ذلك البغي الأول صاحب المال أو الذي بغى أولا والما صدق واحد فيجوز له الدفاع عن نفسه وماله بعد التوبة وكذا الذي بغى ثانيا لا يقاتل ألا أن تاب هذا الثاني وأذعن للرد فله القتال على ماله قلت فليفهم القاري فأن المسألة دقيقة .
المسألة السادسة :
جاز لمتتبع الباغي على أخذه ماله أو مال غيره لمن هو نائب عنه أو محتسب ولمتبعه أيضا على جناية في نفس إذا كان ممن يقتل أو أخذ إنسانا الهجوم عليه ولو أدى الهجوم عليه إلى تلف ما بيده الباغي لغيره كان ذلك المال بيد الباغي يبغي أو وديعة أو غيرها.
المسألة السابعة :
Shafi 27