Haske da Butterfly
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Nau'ikan
إن الدين الإسلامي بما فيه من أساطير وأخلاق يتيح لي أن أكتب شعرا يوافق سني. فالتسليم المطلق بإرادة الله الخافية علينا، والنظرة المرحة المحيطة بالحياة الأرضية التي تبدأ وتعود على الدوام في صورة دائرية يستخفها اللعب، والحب والميل اللذان يرفان بين عالمين، والواقع الذي يصفى وينحل في الرمز ما الذي يريده الجد العجوز أكثر من هذا؟! هذه العبارات التي يمتزج فيها الجد بالدعابة تذكرنا بأسلوب شعره في الديوان «بالبعد عن الانفعال»، بالجدية العميقة التي يتخللها المرح المكشوف، بالتهكم على النفس و«مرونة التشكك»، «بالروح» التي ذكرها بنفسه في أثناء حديثه السابق عن شعراء الشرق، أو التي عبر عنها في إحدى قصائد الديوان من كتبا زليخا «لأن الحياة هي الحب، وحياة الحياة هي الروح» في الحادي عشر من شهر مايو سنة 1820م.
لهذا أمكنه أن يقول عن قصائد ديوانه في تعريف القراء بها إن بعضها لا يتنكر للنزعة الحسية، ولكن بعضها الآخر يمكن أن يئول تأويلا روحيا، فالإنسان الغني بالروح يتأمل كل ما يقدم للحواس كنوع من التنكر الذي تختفي وراءه حياة روحية أسمى على نحو مضحك عجيب، وذلك لكي يجذبنا إلى مناطق أكثر نبلا. •••
كيف استطاع هذا الشاعر الغربي أن يتذوق الشعر الشرقي؟ ألم يجد فيه شيئا غريبا عليه أو منفرا له؟ هل أمكنه أن يوفق بين صوره الغريبة واعتماده إلى حد كبير على القافية والإيقاع في توليد هذه الصور وبين القيم المألوفة في شعره؟ هل افتقد فيه التجربة والوحدة والنظام الذي عرفه في تراثه؟ وما الذي أعجبه فيه أو صدمه منه؟
كان الشعر عند المصريين القدماء وعند أول شاعرة غنائية في التراث الغربي وهي «سافو» أو عند شاعر روماني مثل «كاتول»، بل عند الألمان أنفسهم منذ عهد جوته نفسه هو شعر التجربة. فالقلب يعترف للقلب. والشعر العربي والفارسي لا يخلوان بطبيعة الحال من التجربة، ولكن الإيقاع والقافية التي تستدعي قافية أخرى ظلت تحددهما إلى حد كبير حتى حاول المجددون في أيامنا أن يتحرروا من العمود ووحدة القافية بالإضافة إلى محاولات أقدم في الشعر الشعبي والزجل والموشح. والتصورات والأفكار التي تضمنها في عهوده الأولى نشأت في دائرة الوجود الذي لم تعقده الثقافة العقلية، ولهذا كان الإيمان رحبا واسعا - كما تقول قصيدة الهجرة التي يبدأ بها الديوان - وكانت للكلمة أهميتها القصوى لأنها كانت كلمة فاهت بها الشفاه. ولعل هذا هو الذي جعل جوته يقول إن اللغة العربية كانت في ذاتها ولذاتها لغة منتجة أو خلاقة، فهي خطابية بليغة بقدر ما تستجيب للفكرة، وهي شاعرية بقدر ما تلائم ملكة التخيل. ولا بد أنه كان يفكر عندما قال هذا في الصيغة السحرية التي نبع منها كل شعر، كما تصور أن هذا السحر كان لا يزال يؤثر على الشاعر الشرقي بحيث أصبح نطلق الكلمة نفسه فعلا من أفعال الخلق والإيجاد. ولهذا راح يؤكد أن لغته تعتمد على الجرس والإيقاع، مما يضعف علاقتهما بنظام الواقع أو يلغيها، كما أن القافية تقوم بدور كبير في بعث الصور وتسلسلها أو تضادها، مما يحير القارئ الغربي ويخالف ذوقه، وينفره في بعض الأحيان من الصنعة والتكلف.
غير أنه إذا كان من الطبيعي أن يجد جوته في الشعر الشرقي بعض الغرائب والمفارقات التي تخالف ذوقه وذوق قرائه، فإننا نراه يبذل كل جهده للاعتذار عنه ومحاولة تجربته في ظل الظروف والضرورات التاريخية التي نشأ فيها. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يضع هذه الأبيات في مقدمة تعليقاته على الديوان، وكأنها شعار ينبئ عن تسامحه ونزاهة حكمه وسعة أفقه وبعده عن التعالي والغرور:
من أراد أن يفهم الشعر
فليذهب إلى بلد الشعر
من أراد أن يفهم الشاعر
فليذهب إلى بلد الشاعر.
ولم يقدر لجوته أن يذهب إلى شعراء الشرق في بلادهم، ولا أن يقرأهم في لغتهم، ولكنه التقى بهم فيما تيسر له من ترجمات في لغته أو في لغات أوروبية أخرى (على الرغم من استحالة ترجمة الشعر التي تقضي على روحه وجسده جميعا ولا تبقي منه - مهما تكن موهبة المترجم! - إلا على ظل الظل وانعكاس الانعكاس) ها هو ذا يتحدث عن «أنوري» شاعر المديح الأكبر عند الفرس
Shafi da ba'a sani ba