102
قال: أوّلُ قتيل قتل في الإسلام الحارث بن أبي هالة الأُسيدي، وكانت أمه خديجة، وولدت الحارث وهندا ابني هالة. وذلك أنّ رسول الله ﷺ لمَّا أمر أن يصدع بما يؤمر قام في المسجد الحرام وقال: قولوا: لاإله إلا الله، تُفلحوا! فوثبت إليه قريشٌ، فأتى الصريخ أهله، فكان أول من أتاه الحارث بن أبي هالة، فضرب في القوم فصرفهم عنه، وعطفوا عليه فضربوه حتى قتلوه ﵀. وذُكر عن أبن عبَّاس أن قابيل لمَّا قنتل هابيل رثاه أبوه آدم ﵇ فقال " من الوافر ": تغيَّرت البلادُ ومن عليها ... فلون الأرض مُغْبَرٌّ قبيحُ تغيَّر كُلُّ ذي طعمٍ ولونٍ ... وقَلَّ بشاشةَ الوجه المليحُ على هابيل لمَّا ان تولَّى ... وولت بهمه هملًا تسيحُ فلم يلبث قابيل بعده يسيرًا حتى هلك، فأنشأ إبليس يقول " من الوافر ": دع الشكوى فقد هلكا جميعًا ... بهلكٍ ليس بالبيعِ الربيحِ فما يغني البكاءُ ولا البواكي ... إذا ما المرءُ غودر في الضريحُ فبك النفس منك ودع سواها ... فلست مخلَّدًا بعد الذبيحُ قال: وكان الأصل: " وقلَّ بشاشة الوجه "، فترك التنوين وأعمله، ومثله قولُ عبيد الله بن قيس الرُذيَّات " من الخفيف ": كيف نومي على الفراش ولمَّا ... تشمل الشأمَ غارةٌ شعواءُ تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء أراد: " عن خدام العقيلة العذراء "، والخدام الخلخال؛ ومثله لأبي الأسود " من المتقارب ": فألفيته غير مستعتبٍ ... ولاذاكر الله إلا قليلا ٧٥ - ومن أخبار معاذٍ الهَرّاءِ هو أبو عليّ - وقيل: أبو مسلم - معاذ بن مسلم من موالي محمّد بن كعب القُرظي، كان يبيع الهروي بالكوفة، وكان تاجرًا نحويًا أستاذ الكسائي شيعيًا، ولد في أيام عبد الملك. وممَّا هُجي به " من المنسرح ": إنَّ مُعاذ بن مسلم رجلٌ ... قد ضجَّ من طول عُمره الأبدُ يانسر لقمان كم تعيش وكم ... تأكلُ طُولَ الحياة يا لبدُ فهذه دارُ آدم خربت ... وأنت فيها كأنك الوتدُ تسأل غربانها إذا نعبتْ ... كيف يكون الصُداعُ والرمدُ ومات معاذ في تلك السنين، وأدرك أولاد أولاده رجالًا وماتوا كلُّهم قبله، وفي ذلك يقول " من المنسرح ": ما يرتجى بالعيش من قد طوى ... من عمره الذاهبُ تسعينا أفنى بنيه وبنيهم فقد ... جرَّعه الدهرُ الأمَرَّينا لابُدَّ أن يشرب من حوضهم ... وإن تراخى عمره حينا قال عثمان بن أبي شيبة: رأيت معاذ بن مسلم وقد شدَّ أسنانه بالذهب. - ومات سنة تسعين ومائة ببغداد رحمه الله تعالى. ٧٦ - ومن أخبار أبي عمرو الشيبانيّ قال الجاحظ: كان أبو عمر إسحاق بن مرار الشيباني مولى وليس من بني شيبان ولكنه كان مؤدبًا لأولاد بعضهم، فنسب إليهم كاليزيدي. هو راويةُ أهل بغداد، واسعُ العلم باللغة والشعر، ثقةٌ في الحديث، كثير السماع. له كتبٌ كثيرة في اللغة جيادٌ، منها " النوادر " ومنها " كتاب الحروف " الذي لقبه بالجيم، ومصنَّفات في خلق الإنسان والخيل والإبل وسائر فنون اللغة؛ وأُخذت عنه دواوين أشعار القبائل كلّها. وله بنون وبنو بنين يروون عنه كتبه، وكان ممن يلزم مجلسه ويكتب عنه الحديث أحمد بن محمَّد ابن حنبل. وقال: الضيون السَّنور، وأنشد " من الطويل ": خليليَّ عُوجًا من صدور الكوادنِ ... يُمالُ علينا من ثريدِ الحواقنِ ثَريدُ كأنَّ السَمْنَ في حجراتهِ ... نجومٌ الثريا أو عيونُ الضياونِ وقال ابن الأعرابيّ: هو دويبة تشبه السنَّور. قال عكرمةُ: قلتُ لابن عبَّاس: أرأيت ماجاء عن النبي ﷺ في أمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر قلبه؟! قال: هو حقٌ، وما أنكرتم من ذلك؟ قلتُ: أنكرنا قوله " والشمس " " من الكامل ": والشمسُ تطلعُ كُلَّ آخر ليلةٍ ... حمراء تُصبحُ لونها يتوَّردُ ليستْ بطالعةٍ لهم في رسلها ... إلا معذبةً وإلا تُجلدُ

1 / 102