بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و (1) المرسلين محمد خاتم النبيين وعلى آله المعصومين وأهل بيته الطاهرين.
أما بعد: فهذه عقيدة قادني الدليل إليها وقوى اعتمادي عليها جعلتها بعد التوضيح والتبيين تحفة لإخواني المؤمنين تقربا إلى الله الكريم (2) وطلبا لثوابه الجسيم راجيا أن ينفع بها (3) الطالبين إنه خير موفق ومعين.
ورتبتها على خمسة فصول:
Shafi 15
الفصل الأول في معرفة الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية تنبه أيها العاقل ونزل (1) نفسك بمنزلة (2) المسؤول والسائل.
فإن قيل لك: أنت حادث أم قديم؟
فالجواب: حادث غير قديم وكل موجود ممكن حادث غير قديم.
فإن قيل: ما حد الحادث وما حد القديم؟
فالجواب: (3) الحادث هو الموجود المسبوق بالعدم. والقديم هو الموجود الذي لم يسبقه العدم (4).
فإن قيل: ما الدليل على إنك حادث؟
فالجواب: سبق العدم على وجودي دليل على حدوثي.
فإن قيل: ما الدليل على إن العدم سابق على وجودك؟
Shafi 16
فالجواب: الضرورة قاضية (1) بأني لم أكن. موجودا في زمان نوح - عليه السلام - فعدمي متحقق (2) في ذلك الزمان، ووجودي في هذا الزمان فعدمي سابق على وجودي.
فإن قيل: ما الدليل على إن كل موجود ممكن حادث؟
فالجواب: كل موجود من الممكنات إما جوهر أو عرض (3) والجوهر حادث والعرض حادث فكل موجود من الممكنات حادث.
فإن قيل: ما حد الجوهر وما حد العرض؟
فالجواب: الجوهر هو المتحيز والعرض هو الحال في المتحيز (4).
فإن قيل: ما حد المتحيز؟
فالجواب: المتحيز هو الحاصل في حيز (5) بحيث يشار إليه إشارة حسية بأنه هنا أو هناك لذاته.
فإن قيل: ما حد الحيز؟
فالجواب: الحيز والمكان عبارة (6) عن البعد المفطور (7) الذي تشغله الأجسام بالحصول فيه.
فإن قيل: كم أقسام الجوهر؟
فالجواب: أربعة: الجوهر الفرد (8) والخط والسطح والجسم.
Shafi 17
فإن قيل: ما حد كل واحد من هذه الأربعة؟
فالجواب: حد (1) الجوهر الفرد هو المتحيز الذي لا يقبل القسمة في جهة من الجهات. وحد الخط هو المتحيز الذي يقبل القسمة في الطول خاصة. وحد السطح هو المتحيز الذي يقبل القسمة في الطول والعرض خاصة. وحد الجسم هو المتحيز الذي يقبل القسمة في الطول والعرض والعمق.
فإن قيل: ما الدليل على حدوث الجواهر؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنها (2) لا تخلو عن الحوادث وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.
فإن قيل: ما تعنون بالحوادث؟
فالجواب: أربعة أشياء: الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.
فإن قيل: ما حد كل واحد من هذه الأربعة؟
فالجواب: حد الحركة حصول جوهر في مكان عقيب مكان آخر.
وحد السكون حصول جوهر (3) في مكان واحد أكثر من زمان واحد (4). وحد الاجتماع حصول جوهرين في مكانين بحيث لا يمكن أن يتخللهما ثالث.
وحد الافتراق حصول جوهرين (5) في مكانين بحيث يمكن أن يتخللهما ثالث.
فإن قيل: ما الدليل على أن هذه الأمور الأربعة حادثة؟
Shafi 18
فالجواب: الدليل على ذلك أنها تعدم والقديم لا يعدم فتكون حادثة.
فإن قبل: ما الدليل على إن الجوهر لا يخلو عن هذه الحوادث (1)؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن الجوهر لا بد له من مكان، فإن كان لابثا فيه كان ساكنا، وإن كان منتقلا عنه كان متحركا، وإذا نسب إلى جوهر آخر (2) فإن أمكن (3) أن يتخللهما ثالث فهو الافتراق وإلا فهو الاجتماع.
فإن قيل: ما الدليل على حدوث باقي الأعراض؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنها تفتقر إلى الجواهر الحادثة والمفتقر إلى الحادث حادث.
فإن قيل: قد ثبت أن كل موجود ممكن حادث. فهل وجود الحوادث من نفسها أو من غيرها؟
فالجواب: وجودها من غيرها لا من نفسها.
فإن قيل: ما الدليل على إن وجود الحوادث من غيرها لا من نفسها؟
فالجواب: هيهنا دعويان: أحدهما أن الحادث لا وجود له من نفسه (4). الثاني إن وجوده من غيره. والدليل على الأول إن الحادث قبل وجوده عدم محض ونفي صرف فلو أثر في وجود نفسه لزم تأثير المعدوم في الموجود ولزم تأثير الشئ في نفسه وهما محالان. والدليل على الثاني أن الحادث لما اتصف بالعدم تارة وبالوجود (5) أخرى كان ممكنا فيفتقر في ترجيح وجوده
Shafi 19
إلى غيره لاستحالة ترجيح أحد المتساويين على الآخر لا لمرجح فيكون وجوده من غيره.
فإن قيل: قد ثبت أن وجود الحوادث من غيرها فالغير الذي أوجد الحوادث موجود أم معدوم؟
فالجواب: موجود.
فإن قيل: ما الدليل على أنه موجود؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو كان معدوما لزم تأثير المعدوم في الموجود وهو محال.
فإن قيل: موجد الحوادث قديم أم حادث؟
فالجواب: قديم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه ليس بحادث (1)؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو كان حادثا لكان من جملة الحوادث فيفتقر إلى محدث آخر (2) كافتقار الحوادث إليه وننقل (3) الكلام إلى ذلك المحدث فإن كان قديما انتهت الحوادث إلى محدث قديم وهو المطلوب، وإن كان حادثا افتقر إلى محدث آخر فإن كان الأول لزم الدور وإن كان غيره (4) وترامى تسلسل والدور والتسلسل باطلان فلا بد أن ينتهي الحوادث إلى محدث قديم وهو المطلوب.
فإن قيل: ما حد الدور وما حد التسلسل؟
فالجواب: حد الدور توقف كل واحد من الشيئين على صاحبه فيما
Shafi 20
هو موقوف عليه إما بمرتبة أو مراتب. وحد التسلسل ترامي أمور محدثة إلى غير النهاية (1).
فإن قيل: ما الدليل على بطلان الدور؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه يفضي إلى كون الشئ موجودا قبل وجوده وهو محال والمفضي إلى المحال محال.
فإن قيل: ما الدليل على بطلان التسلسل؟
فالجواب: الدليل (2) أن السلسلة الحاوية لجميع الممكنات ممكنة فلا بد لها من مؤثر خارج عنها (3) والخارج من جميع الممكنات هو واجب الوجود لذاته فتنتهي السلسلة إليه (4) وينقطع التسلسل.
فإن قيل: موجد الحوادث واجب الوجود أم ممكن (5)؟
فالجواب: واجب الوجود.
فإن قيل: ما حد الواجب وما حد الممكن؟
فالجواب: الواجب (6) هو الذي لا يفتقر في وجوده إلى غيره ولا يجوز عليه العدم. والممكن هو الذي يفتقر في وجوده إلى غيره ويجوز عليه العدم.
فإن قيل: ما الدليل على أن موجد الحوادث واجب الوجود؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو لم يكن واجب الوجود لكان ممكن
Shafi 21
الوجود ولو (1) كان ممكن الوجود افتقر (2) في وجوده إلى غيره وننقل (3) الكلام إلى ذلك الغير فإن كان واجب الوجود انتهت الحوادث إليه فهو موجد الحوادث وإن كان ممكن الوجود افتقر في وجوده إلى موجد آخر فإن كان الأول لزم الدور وإن كان غيره وترامى تسلسل وهما باطلان كما (4) عرفت فلا بد أن ينتهي الحوادث إلى موجد (5) واجب الوجود لذاته.
فإن قيل: موجد الحوادث قادر مختار (6) أم موجب؟
فالجواب: قادر مختار (7).
فإن قيل: ما حد القادر وما حد الموجب؟
فالجواب: القادر هو الذي يمكنه الفعل ويمكنه الترك بالنسبة إلى شئ واحد، والموجب هو الذي يفعل (8) ولا يمكنه الترك كالنار في الاحراق.
فإن قيل: ما الدليل على أن موجد الحوادث قادر مختار؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو لم يكن قادرا لكان موجبا لما (9) عرفت من أنه لا واسطة بين القادر والموجب. ولو كان موجبا لكانت الحوادث التي هي آثاره قديمة لقدمه وقدم الحوادث محال فكونه موجبا محال فيكون قادرا مختارا وهو المطلوب.
Shafi 22
فإن قيل: موجد الحوادث قادر على كل مقدور أم على مقدور دون آخر (1)؟
فالجواب: قادر على كل مقدور.
فإن قيل: ما الدليل على أنه قادر على كل مقدور؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن نسبة ذاته المقدسة إلى جميع المقدورات على السوية لكونه مجردا ونسبتها في الاحتياج إلى ذاته المقدسة (2) - لكونها ممكنة والإمكان علة الاحتياج - على السوية (3) فاختصاص قدرته تعالى بمقدور دون مقدور ترجيح من غير مرجح وهو باطل فيكون قادرا على كل مقدور وهو المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث عالم أم لا؟
فالجواب: إنه عالم.
فإن قيل: ما حد العالم؟
فالجواب: العالم بالشئ هو الذي يكون الشئ منكشفا له حاضرا عنده غير غائب عنه.
فإن قيل: ما الدليل على أن موجد الحوادث عالم؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكل من فعل ذلك كان عالما فهو عالم (4).
فإن قيل: ما حد الفعل المحكم المتقن؟
فالجواب: الفعل المحكم المتقن هو المطابق للمنافع المقصودة منه.
Shafi 23
فإن قيل: موجد الحوادث عالم بكل معلوم أم بمعلوم (1) دوم معلوم؟
فالجواب: عالم بكل معلوم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه عالم بكل معلوم؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن نسبة ذاته المقدسة إلى جميع المعلومات على السوية لكونه مجردا ولكونه حيا وكل واحد منها قابل لأن يكون معلوما للحي فاختصاص علمه تعالى بمعلوم دون معلوم ترجيح من غير مرجح وهو باطل فيكون عالما بكل معلوم وهو المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث حي أم لا؟
فالجواب: حي.
فإن قيل: ما حد الحي؟
فالجواب: الحي هو (2) الذي يصح منه (3) أن يقدر ويعلم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه حي؟
فالجواب: ثبوت القدرة والعلم للشئ (4) دليل على أنه حي.
فإن قيل: موجد الحوادث سميع بصير أم لا؟
فالجواب: سميع لا بإذن بل بمعنى إنه عالم بالمسموعات وبصير لا بعين بل بمعنى إنه عالم بالمبصرات.
فإن قيل: ما الدليل على أنه سميع بصير بهذا المعنى؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه عالم بجميع المعلومات التي من جملتها المسموعات والمبصرات فيكون عالما بهما فيكون سميعا بصيرا بهذا المعنى وهو
Shafi 24
المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث مدرك أم لا؟
فالجواب: مدرك لا بحاسة يحصل الادراك بواسطتها بل بمعنى أنه عالم بما يدرك بالحواس (1).
فإن قيل: ما الدليل على أنه مدرك بهذا المعنى؟
فالجواب: الدليل على ذلك إنه عالم بجميع المعلومات التي من جملتها المدركات فيكون عالما بالمدركات فيكون مدركا بهذا المعنى وهو المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث مريد كاره أم لا؟
فالجواب: مريد كاره.
فإن قيل: ما حد الإرادة والكراهة؟
فالجواب: الإرادة (2) هنا قسمان: إرادة لأفعال نفسه، وإرادة لأفعال عبيده. وكذا الكراهة.
فإرادة أفعال (3) نفسه عبارة عن علمه الموجب لوجود الفعل في وقت دون وقت بسبب اشتماله على مصلحة داعية إلى إيجاد الفعل (4) في ذلك الوقت دون غيره. وإرادة أفعال عبيده عبارة عن طلبه (5) إيقاعها منهم على وجه الاختيار.
وكراهته لأفعال (6) نفسه عبارة عن علمه الموجب لترك (7) فعل في وقت
Shafi 25
دون وقت (1) بسبب اشتماله على مفسدة صارفة عن إيجاد الفعل في ذلك الوقت. وكراهته (2) لأفعال عبيده عبارة عن نهيه إياهم عن إيقاعها على وجه الاختيار.
فإن فيل: ما الدليل على أنه مريد لأفعال نفسه؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه تعالى خصص إيجاد الحوادث بوقت (3) دون وقت، والأوقات كلها صالحة للإيجاد فلا بد من مخصص لاستحالة التخصيص من غير مخصص وذلك المخصص (4) هو الإرادة فيكون مريدا لأفعال نفسه وهو المطلوب.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى كاره لأفعال نفسه؟
فالجواب: الدليل عليه أنه تعالى ترك إيجاد الحوادث في وقت دون وقت آخر والأوقات كلها صالحة للترك فلا بد من مخصص لاستحالة التخصيص من غير مخصص وذلك المخصص هو الكراهة فيكون كارها لأفعال نفسه وهو المطلوب (5).
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى يريد (6) من عباده أفعالا ويكره (7) منهم أفعالا؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه تعالى أمرهم بالطاعة فيكون مريدا
Shafi 26
لها ونهاهم عن المعصية فيكون كارها لها إذ الحكيم لا يأمر إلا بما يريد (١) ولا ينهى إلا عما يكره.
فإن قيل: موجد الحوادث متكلم أم لا؟
فالجواب: متكلم لا بجارحة بل بمعنى أنه تعالى يوجد حروفا وأصواتا في جسم من الأجسام يدل على المعاني المطلوبة له تعالى كما فعل في الشجرة (٢) حين خاطب موسى عليه السلام.
فإن قيل: ما الدليل على أنه متكلم؟
فالجواب: الدليل على ذلك الإجماع والقرآن.
فإن قيل: كلامه (٣) تعالى حادث أم قديم؟
فالجواب: حادث غير قديم.
فإن قيل: ما الدليل على ذلك؟
فالجواب: الدليل على ذلك من جهة العقل والنقل:
أما من جهة العقل فلأن الكلام مركب من الحروف المتتالية التي يعدم بعضها ببعض ويسبق بعضها بعضا فيكون حادثا.
وأما من جهة النقل فقوله (٤) تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/21/21" target="_blank" title="الأنبياء: 21">﴿ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث﴾</a> (٥) والذكر هو القرآن لقوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/15/15" target="_blank" title="الحجر: 15">﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾</a> (٦) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/43/43" target="_blank" title="الزخرف: 43">﴿وأنه لذكر لك ولقومك﴾</a> (7).
Shafi 27
فإن قيل: موجد الحوادث واحد لا شريك له أم لا (١)؟
فالجواب: واحد لا شريك له.
فإن قيل: ما الدليل على أنه واحد لا شريك له؟
فالجواب: الدليل على ذلك من العقل والنقل:
أما العقل فلأنه لو كان مع الحكيم إله آخر لامتنع منه نفيه لكونه كذبا منافيا للحكمة (٢) لكن الحكيم قد نفاه فنفيه (٣) دليل على انتفائه (٤) وإلا لم يكن الحكيم حكيما.
وأما النقل فلقوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (٥) ولقوله تعالى:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/18/18" target="_blank" title="الكهف: 18">﴿إنما إلهكم إله واحد﴾</a> (6) وأمثال ذلك.
فإن قيل: موجد الحوادث جوهر أم عرض (7)؟
فالجواب: ليس بجوهر (8) ولا عرض.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بجوهر؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن الجوهر إما جوهر فرد أو خط أو سطح أو جسم وكل واحد منها مفتقر حادث والباري تعالى ليس بمفتقر لكونه واجب الوجود لذاته وليس بحادث لكونه قديما.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بعرض؟
Shafi 28
فالجواب: الدليل على ذلك أن العرض مفتقر إلى غيره فيكون ممكنا وواجب الوجود ليس بممكن فلا يكون عرضا.
فإن قيل: موجد الحوادث في محل أو (1) جهة أم لا؟
فالجواب: ليس في محل ولا في جهة.
فإن قيل: ما حد المحل وما حد الجهة؟
فالجواب: المحل عبارة عن المتحيز (2) الذي تحله الأعراض. والجهة هي المتعلق للإشارة (3) الحسية ومقصد المتحرك الأيني.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس في محل ولا في جهة؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو حل في محل أو جهة لكان مفتقرا إليهما (4) فلا يكون واجب الوجود لذاته وقد ثبت أنه تعالى واجب الوجود لذاته فلا يكون في محل ولا في جهة.
فإن قيل: موجد الحوادث متحد بغيره أم لا؟
فالجواب: ليس متحدا بغيره.
فإن قيل: ما حد الاتحاد؟
فالجواب: (5) الاتحاد صيرورة شيئين شيئا واحدا من غير زيادة ولا نقصان.
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يتحد بغيره؟
فالجواب: الدليل على ذلك من وجهين: أما الأول فلأن الاتحاد غير
Shafi 29
معقول. وأما الثاني فلأن الواجب لو اتحد بغيره لكان ذلك الغير إما واجبا أو ممكنا فإن كان واجبا لزم تعدد الواجب وهو محال. وإن كان ممكنا (1) صار الواجب ممكنا هذا خلف.
فإن قيل: موجد الحوادث مركب أم لا؟
فالجواب: ليس بمركب.
فإن قبل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بمركب؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو كان مركبا لافتقر إلى جزئه، وجزؤه غيره، فيكون مفتقرا إلى غيره فيكون ممكنا.
فإن قيل: موجد الحوادث مرئي بحاسة البصر أم لا؟
فالجواب: ليس (2) بمرئي بحاسة البصر.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن المرئي بحاسة البصر لا بد (3) وأن يكون في جهة والله تعالى منزه عن الجهة فلا يكون مرئيا بحاسة البصر (4).
فإن قيل: موجد الحوادث غني عن غيره أم محتاج (5)؟
فالجواب: (6) غني عن غيره وغيره مفتقر إليه (7).
فإن قيل: ما الدليل على ذلك؟
Shafi 30
فالجواب: الدليل على ذلك أنه واجب الوجود لذاته وغيره ممكن الوجود لذاته فوجوب وجوده يقتفي استغناءه عن غيره وإمكان غيره يقتضي افتقاره إليه.
Shafi 31
الفصل الثاني في العدل فإن قيل: موجد الحوادث عدل حكيم أم لا؟
فالجواب: عدل حكيم.
فإن قيل: ما حد العدل الحكيم؟
فالجواب: العدل الحكيم هو الذي لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب.
فإن قيل: ما حد القبيح وما حد الواجب؟
فالجواب: القبيح هو الذي (1) يذم فاعله في الدنيا ويعاقب في الآخرة ويمدح تاركه في الدنيا ويثاب في الآخرة. والواجب هو الذي يمدح فاعله في الدنيا ويثاب في الآخرة ويذم تاركه في الدنيا ويعاقب في الآخرة.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى عدل حكيم لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو لم يكن كذلك لكان ناقصا - تعالى
Shafi 32
الله عن ذلك علوا كبيرا - وأيضا لو جاز عليه فعل القبيح لجاز عليه الكذب فيرتفع الوثوق عن وعده ووعيده ويرتفع (1) الأحكام الشرعية فينقض (2) الغرض (3) المقصود من بعثة الأنبياء والرسل.
* * *
Shafi 33
الفصل الثالث في النبوة فإن قيل: حكمة الله تقتضي نصب الأنبياء والرسل أم لا؟
فالجواب: تقتضي ذلك وتوجبه.
فإن قيل: ما حد النبي وما حد الرسول؟
فالجواب: النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر أعم من أن يكون له شريعة كمحمد - عليه السلام - أوليس له شريعة كيحيى - عليه السلام - (1) مأمورا من الله تعالى بتبليغ الأوامر والنواهي إلى قوم أم لا (2). والرسول هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة من البشر (3) وله شريعة إما مبتدءة كآدم - عليه السلام - أو تكملة لما قبلها كمحمد - صلى الله عليه وآله - (4) مأمور (5) من الله تعالى بتبليغ الأوامر
Shafi 34