والجواب: أنه يتصل كما يتصل تفصيل الجملة بعضه ببعض؛ لأنه لما وصف نفسه تعالى بما يدل به على القدرة والاستيلاء وصل ذلك بوصفه بالعلم؛ إذ بهما يصح الفعل على جهة الإحكام والاتقان. ووجه آخر: وهو أنه دل على أنه عالم بجميع ما فعله وبما يؤول إليه حاله.
فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: هل يوجب (ثُمَّ) في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) أن يكون خلق السماء بعد الأرض؟ قيل: لا يوجب من قبل أن قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) إنما يدل على أنه جعلها سبعا بعد ما خلق الأرض، وقد كانت السماء مخلوقة كما قال أهل التفسير أنها كانت قبل دخانا، وقال الأخفش: هو كما تقول للصانع: اعمل هذا الثوب، وإنما معك غزل، وقد اعترض قوم من الجهال في هذا فقالوا: إذا كان قوله: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [فصلت: ٩] (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ) [فصلت: ١٠] إلى قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) [فصلت: ١١] إلى قوله: (طَائِعِينَ) [فصلت: ١١] موافقا لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) [البقرة: ٢٩] في أنه يوجب أن خلق السماء بعد الأرض، ثم قال في موضع آخر: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) [النازعات: ٢٧] ثم قال:، فأوجب هذا أن يكون خلق الأرض بعد السماء، فظنوا لجهلهم أن هذا متناقض، وهذا معناه بين؛ لأنه قال: دحاها أي بسطها، ولم يقل خلقها، وكانت قبل دحوها ربوة مجتمعة، ثم بسطها وأرساها بالجبال وأنبت فيها النبات، وأما علام يدل عليه قول ابن عباس ومجاهد في (بَعْدِ ذَلِكَ) فإنها تكون بمعنى (مع) . كأنه قال، والأرض مع ذلك دحاها.
1 / 124