يكون ذلك معارضة؟! فقيل له: لا، من قبل أن المفحم يمكنه في قوافي الشعر مثل ذلك، وإن كان لا يمكنه أن ينشئ بيتا واحدا، ولا يفصل بطبعه بين مكسور وموزون، فلو أن مفحما رام أن يجعل بدل القوافي قصيدة رؤبة
وقاتم الأعماق خاري المخترق
مشتبه الأعلام لماع الخفق
يكل وفد الريح من حيث انخرق
فجعل بدل المخترق الممتزق، وبدل الخفق الشفق، وبدل انخرق انطلق لأمكنه ذلك ولم يجب به قول الشعر ولا معارضة رؤبة في هذه القصيدة عند أحد له معرفة. فكذلك سبيل من غير الفواصل وزعم أنه قد عارض. وهذا واضح بين لا يخفى على متأمل والحمد لله.
فإن قال: فما ينكر أن يكونوا عدلوا عن معارضة الطوال للعجز وعدلوا عن معارضة القصار لخفاء المساواة في الحكم!. قيل له: لا يجوز ذلك، لأن الحجة لهم به قائمة لو كان الأمر على تلك الصفة، إذ كانت المعارضة فيما جرت به العادة على ذلك وقعت من عصبة قوم لأحد الفريقين، وعصبة فريق للآخر على نحو نقائض جرير والفرزدق؟ وقبلهما عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة، فلو كان مما يجوز أن يقع فيه الاختلاف بين الجيدي الطباع لخفاء الأمر فيه لم يتركوا المعارضة له والاحتجاج به.
1 / 112