بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكتاب: النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام
المؤلف: الإمام الحافظ / محمد بن على الكرجي القصَّاب
تحقيق: د. علي بن غازي التيجري
دار النشر: دار القيم - دار ابن عفان
الطبعة الأولى ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
عدد الأجزاء: ٤
تنبيه:
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قام الأخ المفضال على ابن جابر - جزاه الله خيرا
بتحويل الكتاب (كاملا) وقام الفقير إلى عفو الله - العلي القادر - بتصويبه وفهرسته وموافقته للمطبوع
وقد تم تصويب الأجزاء الثاني والثالث والرابع - على نسخة حولها لي الدكتور / نافع - أكرمه الله وأثابه وجزاه خيرا -
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
1 / 76
المقدمة
قال الشيخ الإمام العلامة أبو أحمد محمد بن علي بن محمد الفقيه الكرجي المعروف بالقصاب ﵁: هذا كتاب، نكت القرآن الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام والمنبية عن اختلاف الأنام في أصوله الدين وشرائعه، وتفصيله وجوامعه، وكل ما يحسن مقاصده، ويعظم فوائده من معنى لطيف في كل فن
1 / 77
تدل عليه الآية من جليلها وغامضها، وظاهرها وعويصها، أودعتها بعون الله تعالى كتابي هذا عدة على المخالفين، وحجة على المبتدعين، إذ هي بحمد الله شافية ملخصة كافية، فمن أضرب عن اللجاج، وقصد واضح المنهاج عرف بها ما أشكل من خدع أهل التمويه، ومن يقصد اللدد
1 / 78
والتشبيه، فإن أكثر من ضل منهم ضل بتركه تميز كتاب ربه الذي
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واقتصاره على مخاريق أهل الكلام، وما وشّوه به من رائق
1 / 79
النظام الذي لا يفيد محصولا، ولا يشيد معقولا أو لا يفكر أن الله قد عبد بهذا الدين قبل أن يخلق أبو الهذيل، وأتباعه والنظام
1 / 80
وأشياعه، وكانت حجته على عباده واضحة بكتابه.
ويعولون عليه، ويدعون من خالفهم إليه متبعين فيه قوله ﵎: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)
، وهل يحسن بذي حجي أن يعين عقله في اتباع من يجهل عدله، ولا يفحص عن دينه بروية نظره، ويأتي الأمر من أقصد أبوابه، فيعلم أن ما لم يكشف عنه القرآن الذي
1 / 81
جعله الله لكل شيء تبيانا لم يكشف عنه سواه.
وهل كل من زخرف من المبتدعة كلاما، وعدَّ فيما ألفه من البدعة إماما إلا بشر مثله. فما باله يعول عليه، ويتهم نفسه في خلاف ما سبق إليه.
قال محمد بن علي: فأول ما نبدأ به في هذا الكتاب أن نحمد الله على حسن الهداية، ونستمده بالكفاية، ونصلي على سيد المرسلين محمد، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
1 / 82
سورة الفاتحة
أقول - والله أعلم -: إن في قول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)
إضمار قل: كأنه - إن شاء الله - قال: قل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) ليكون الكلام منسقا، فيكون رفع الحمد على الحكاية.
وهذا أقرب - والله أعلم - مما قاله أبو عبيد: من أن العرب
1 / 83
ترجع من الخبر إلى المخاطبة، وما قاله حسن غير مدفوع.
والقراءة في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) بالألف: أحسن
- والله أعلم - لأن العرب لا تكاد تقول: فلان ملك كذا إلي للروحانيين من الناس، ويقولون: مالك يومه وساعته يصنع فيهما ما
1 / 84
أحب، ولا يقولون: ملك اليوم، والله تعالى مالك يوم القيامة، وملك من يحضره من الخلق، والملك صفة من صفات الاقتدار، منوط بالاستعلاء والسلطان والقهر، واليوم لا يقهر ولا يستعلي عليه.
إنما يفعل كل هذا بالخلق من الناس، وسائر الروحانيين من أهل السموات والأرضين.
وما احتج به أبو عبيد من قوله: (لمن الملك اليوم) وإن كان حسنا، فليس بدافع لما قلناه، لأن من كان له الملك ذلك اليوم جاز أن يكون مالكه، وحسن أن يوصف بملك اليوم، والملك في اليوم، ولو كان قال: لمن ملك اليوم، كان الاحتجاج به أشبه لأنه كان
1 / 85
يكون: الله مضافا إليه، ولا يكون ظرفا له.
وإذا كان اليوم ظرفا للملك، فالاحتجاج به على تصحيح (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)
الذي هو مضاف إلى اليوم يبعد وجهه، وإن كان محتملا.
* * *
قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)
دليل على نفي الاستطاعة، إذ الصراط المستقيم: هو دين الل
1 / 86
الذي ارتضاه، وكتابه الذي أنزله، فمن لا يقدر على الوصول إليه إلا
1 / 87
بهداية منه عديم الاستطاعة،، ويحققه قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) فصار صراطهم بنعمة ربهم، لا باشتياقهم إليه باستطاعة أنفسهم.
ولو كان ذكر الهداية دالا على بيان الصراط والإيضاح لا على العودة
ما كان لاختصاص النعمة بالذكر معنى.
1 / 88
ولما كان فيهم من يمتاز عنهم بالغضب والضلال، إذ لو كانوا مستغنين بالإيضاح والبيان لهم، لاستوى الجميع في سلكه، ولما احتاجوا إلى منعم يسلك بهم بعد نعمته عليهم في البيان لهم.
1 / 89
سورة البقرة
* * *
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦)
إثبات القدر، ونفي الاستطاعة، وختم على نفي الإيمان عنهم. ودليل على أنهم بعد وضوح الطريق لهم بنذارة النبي ﷺ محتاجون إلى توفيق به يؤمنون، إذ لو كان ضلالهم عن الإيمان بجهلهم بسبيله لساروا فيه بعد النذارة.
وقد أزال الريب تعالى عن ذلك، وأغنى عن الإغراق وحققه بقوله: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) .
1 / 91
ردٌّ على المرجئة:
* * *
وقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)
رد على المرجئة من جهتين:
إحداهما نفي الإيمان بالقول الذي لا يكون عندهم إلا به.
والأخرى: أنهم يفرقون بين الإيمان واليقين، فيزعمون أن اليقين خلاف للإيمان، حتى إنهم يتأولون قوله في سورة المدثر: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) .
1 / 92
أي: يزدادون يقينا، فرارا من لزوم الحجة لهم في زيادة الإيمان.
وأرى الله ﵎ قد سمى الإيمان بالآخرة يقينا بقوله قبل هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
وعليهم فيها حجة ثالثة: من أن الإيمان ذو أجزاء، وهم لا يجعلونه
إلي جزءا واحدا، ولم يقع النكير عليهم في تسميتهم الإيمان بالآخرة إيمانا إذ هو لا محالة كذلك، إنما نفاه عنهم حيث كانوا غير صادقين في قولهم.
1 / 93
رد علي الجهمية:
وفي قوله: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا)
رد على الجهمية. إذ قد جمع بين الخداع منهم له وللمؤمنن.
وهذا هو الذي ينكرونه أشد الإنكار من أنه لا يضاف إليه ما يجوز إضافته إلى الخلق.
وهو المخبر عنهم - جل وتعالى - بهذا الفعل، ومعلوم أنهم لا
1 / 94
يصلون إلى إرادتهم، لا أن نفس القول به منكر - والمنكر إرادة الفعل - وكيف يكون منكرا وقد قاله ﷿، ولم يجعله إخبارا عمن نسب الفعل إليه،!
رد على القدرية:
1 / 95
وفي قوله (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا)
رد على القدرية والمعتزلة: إذ هم غير منكرين أن المرض المنسوب إليهم ليس مرض
1 / 96