وفي زوال يوم ثامن شعبان كبس مثواه، المضاع القَفل، الخامل المَسْلحة، فتخطاه بالرجال بعد أن ألزم حفظه، وانحدر من الدار العليا خَلَل الدَّوْح الأشِب، والمسالك المفروشة إلى الدار السفلى ذات الصرح الهائل، فاقتحمها، ولجأ الحائن إلى الذروة في طائفة من الأحداث الزغب الحواصل ممن لا يُجَلِّي في الكريهة، ولا يُغني في الجُلَّى، ولا يعمل بالسلاح، إلاّ ما كان من علْج أبيه المسمى عبادًا، المعين على حياته لتهذيبه وتأديبه بِحكَم الفرس وسياسة يونان ومكارم الدولتين، من خبيث جماعة، سامري السجية، معدن من معادن الجهل، مثل في زمانه ذمر المروءة، على فروسة وثقافة وخفوف إلى العيهات، يحمل السيف بين يديه مبان السبابة، ظاهر الطيرة، احتجن ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، لم يفرض الله فيه زكاة ولا عين فيه مواساة.
وصاح صائحهم بالناس، ورددوا هاء الاستغاثة، إنك لا تشكو إلى مصمت، ثم حملوه على الإلقاء باليد، لما عملت الصواقر في الأبواب جنوحًا إلى الخلع والعودة إلى كسر البيت. فنزل وتقبض عليه فأوسعه ما شاء من تقريع وخزي، ومؤلم عتب، ثم أمر بثقافه بالطبق، وأوعز إلى تاليه بالإجهاز عليه، فتعاورت النصال منه مطية امرئ القيس، وحزّ رأسه معززًا برأس صنوه قيس، وألحق بهما عباد وابنه، وماردان من أخابث الخراب، فلم تبك عليهم سماء ولا أرض ولا حق فيهم غير هذا، ووزيره الحر الأمين محمد بن أبي الفتح المواصل للجشأ من خوانه، المُفْعَم المعا من سريط جفانه، المغرى اليد باكتساح ذخيرته، المحشو الكم بدسائس الرشا الجانية على ماله. وابن عمه العضر فوط ثور النقل وبالوعة النبيذ، الباكي خَزُّ خِلَعه من روحه المتظلمة بكنف من أنفاس حُثِّه، وثقة بابه الموروري، الموطوء العقب بعزه، والأعصم المؤمر على التيوس بصكه، والأمير المعتقد كرسي الشرطة العليا بتنويهه. وسكك القلعة تغص بأتباعهم، وتضيق عن زَرَعتهم، وطائفة الوثوب بالحائن تعادل معشار جملتهم بين كاسع في كسره، ناظر من خُرْت غلقه، مرتقب للإجهاز على سلطانه، جاعل دبر أذنه مسمع صراخه، واثق لمكان عهد الخَتْر بانسحاب عزه واتصال جاهه، من غير إحنة نشأت بينهم وبين ذيالك المحرمان، ولا تقصير عن رسم، ولا استئثار بفائدة دونهم. وحسبك من كرم طباعهم ووفاءِ عهودهم ودسائس عروق أحسابهم، وطيب مراضعهم، ولمّا تم الأمر خرجوا من أحجارهم يرون البعد عن الدخلة، والله يبلو سرائرهم، إذ يبيتون ما لا يرضي من القول، إلا ما كان من التيس الموروي فإِنه جاهر بالختر، وآزر الدائل، وفتح له باب السلطان المحدود، وأمكنه من نفسه، فانطلقوا يجعجعون في أعقاب الفتكة وينتضحون بالداء الجامدة، ويتجملون بالسلاح المخضوب. وأخذوا مراكزهم بين يديه كما تعود قطع الشطرنج إلى بيوتها من صفرته، ولم يعلموا ما خبأ الله لهم على يده من الأخذة الرابية، والنكبة القاضية، فلا بالدنيا استمتعوا ولا بالذمام تمسكوا، ولا بحبل الله اعتلقوا، ألا في الفتنة سقطوا، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فشاهت منهم وجوه الكلاب، وسبال التيوس، وهمم البغايا.
لا بأسَ بالقومِ مِنْ طولٍ وَمِنْ عِظَمٍ ... جِسْمُ البِغالِ وأحلامُ العَصافيرِ
إلاّ طِعَانَ ولا فِرسانَ غادِيةً ... إلا بِحَسْوِكُم عِنْدَ التَنَانير
فكان من اجتثاث شجراتهم الخبيثة من فوق الأرض، وهُوِيِّهم في دركات سخط الجبار ﷻ ما يأتي به الذكر إن شاء الله.
وأطل صاحب الأمر على الناس من رواحة البهو غابطًا إياهم بنفسه، مقررًا رأيهم في إراحتهم من تخلفه، وطرح رأسه فاحتمله بعضهم صوبًا بكاملِ مِعْلاقة، وأخذ البيعة لنفسه فلم يختلف عليه أحد، وعلك الأمر منه أشد لحس وأشاع الخلع، وأقرّ أمر البطانة على غرة بوصل استكفاء إبراهيم بن أبي الفتح، الأصلع الغوي، وجدد وزارة ابن عمه محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح، العقرب الردي، فنكأ ذيالك المشئوم القرح بالقرح، وسمل في باب السفق عنده العيون وبقر البطون، وسولت له نفسه غدره إذ كان غير ما جرى، يعده ويمنيه، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، لمكان ما لقه من مال الجباية ووقوع القحط في رجال الدولة.
لقد هَزُلَتْ حَتّضى بدا مِنْ هُزَالِها ... سَلاَهَا وحتّى اسْتَامَها كُلُّ مُفْلِسِ
1 / 23