أما بعد حمدِ الله تعالى، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم المصطفى والرضا عن آله وصحبه أعلام الإسلام وأئمة الرشد والهدى وصلة الدعاء لهذا الأمر العلي العزيز المنصور المستعيني بالنصر الأعز والفتح الأسنى، فإنَّا كتبناه إليكم - كتب الله لكم بلوغ الأمل، ونجح القول والعمل - من منزلنا الأسعد بضفة وادي ملوية يمّنه الله، وصُنع الله جميل، ومَنُّه جزيل، والحمد لله، ولكم عندنا المكانة الواضحة الدلائل، والعناية المتكفلة برعي الوسائل، ذلكم لِمَا تميزتم به من التمسك بالجناب العلي، المولوي العلوي، جدد الله عليه ملابس غفرانه، وسقاه غيوث رحمته وحنانه. وما أهديتم إلينا من التقرب إلينا بخدمة ثراه الطاهر، والاشتمال بمطارف حرمته السامية المظاهر، وإلى هذا، وصل الله حظوتكم ووالى رفعتكم، فإنه ورد علينا خطابكم الحسن عندنا قصدُه المُقابل - بالإسعاف المستعذب ورده، فوقفنا على ما نصه واستوفينا ما شرحه وقصه، فآثرنا حسن تلطفكم في التوسل بأكبر الوسائل إلينا، ووعينا أكمل الرعاية حق ذلكم الجناب العزيز علينا، وفي الحين عيَّنا لكمال مطلبكم، وتمام مأربكم والتوجه بخطابنا في حقكم والاعتمال بوفقكم، خديمنا أبَا البقاء بن تاسكورت وأبا زكريا بن فرقاجة أنجدهما الله وتولاهما.. وأمس تاريخه انفصلا مودّعين إلى الغرض المعلوم، بعد التأكيد عليهما فيه، وشرح العمل الذي يوفيه، فكونوا على علم من ذلكم، وابسطوا له جملة آمالكم، وإنا لنحتسب ثواب الله في جبر أحوالكم وبرء اعتلالكم، والله سبحانه يصل مبرتكم ويوالي تكرمتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتب في الرابع والعشرين لرجب عام أحد وستين وسبعمائة. فراجعت أيده الله وشَكَر نعمته بما نصه: مولاي خليفة الله بحق، وكبير ملوك الأرض حجّة، ومعدن الشفقة والحرمة ببرهان وحكمة، أبقاكم الله عالي الدرجة في المنعِمين، وافر الحظ عند جزاء المحسنين، وأراكم ثمرة بِرّ أبيكم في البنين، وصنع لكم في عدوكم الصنع الذي لا يقف عند معتاد، وأذاق العذاب الأليم من أراد في مثابتكم بإلحاد، عبدكم الذي ملكتم رِقَّه، وأويتم غربته، وسترتم أهله وولده، وأسنيتم رزقه، وجبرتم قلبه، يقبل موطئ الأخمص الكريم من رجلكم الطاهرة، المستوجبة بفضل الله لموقف النصر، الفارعة هضبة العز، المعملة الخطو في مجال السعد، وميَّسر الحظ فلان: من شالة التي تأكد بمُلْكِكُم الرِّضيِّ احترامها وتجدد برعيكم عهدها واستبشر بمُلْكِكُم دفينها، وأشرق بحسناتكم نورها، وقد ورد على العبد الجواب المولوي البر الرحيم، المنعم المحسن بما يليق بالمُلك الأصيل، والقدر الرفيع، والهمة السامية، والعزة القعساء، من رعى الدخيل والنصرة للذمام، والاهتزاز لبر الأب الكريم، فثاب الرجاء، وانبعث الأمل وقوى القصد، وزار اللطف فالحمد لله الذي أجرى الخير على يدكم الكريمة، وأعانكم على رعي ذمام الصالحين، المتوسل إليكم أولًا بقبوركم، ومتعبداتهم وتراب أجداثهم، ثم بقبر مولاي ومولاكم ومولى الخلق أجمعين الذي تسبب في وجودكم، واختصكم بحبه، وغمركم بلطفه وحنانه، وعلمكم آداب الشريعة، وأورثكم ملك الدنيا، وهيأتكم دعواته بالاستقامة إلى ملك الآخرة بعد طول المدى وانفساح البقاء، وفي علومكم المقدسة ما تضمنت الحكايات عن العرب من النصرة عن طائر داست أفراخه ناقة في جوار رئيس منهم، وما انتهى إليه الامتعاض لذلك مما أُهِينَتْ فيه الأنفس وهلكت الأموال، وقُصارى من امتعض لذلك أن يكون كبعض خدامكم من عرب تامسنا فما الظن بكم وأنتم الكريم ابن الكريم ابن الكريم فيمن لجأ أولًا إلى حماكم بالأهل والولد عن حسنة تبرعتم بها، وصدقة حملتكم الجرية على بذلها؟ ثم فيمن حطّ رحل الاستجارة بضريح أكرم الخلق عليكم دامع العين خافق القلب دامي القرحة، يتغطى بردائه، ويستجير بعليائه، كأنني تراميت عليه في الحياة أمام الذعر الذي يذهل العقل، ويحجب عن التمييز، بقصر داره ومضجع رقاده. ما مِنْ يوم إلا وأجهر بعد التلاوة بلفظ: يا آل يعقوب، يا آل مرين نسأل الله أن لا يقطع عني معروفكم ولا يسلبني عنايتكم، ويستعملني ما بقيت في خدمتكم، ويتقبل دعائي فيكم.
1 / 17