الكاهن الأعظم :
ألا تزالين على فلسفتك الخيالية الخلابة، التي تضرك ولا تفيد البلاد؟ فقد أوقعك عنادك في هذا السجن، الذي لا تخرجين منه إلا إلى موت مخجل معيب، وقد تحدد موعد انعقاد المحكمة لمحاكمتك في الأسبوع المقبل، فعودي إلى رشدك واستغفري من هفواتك، وقومي بما أريده منك لأعطف عليك وأخلصك من ورطتك هذه، وإلا فستندمين حيث لا ينفع الندم.
نوب حتب :
أنا لا أندم أيها الكاهن إلا على ارتكاب الجرائم والآثام، أما أن أسجن ظلما، وأن أقتل لتهمة كاذبة، فهو ما يجب أن يندم عليه غيري من المجرمين، وعين الآلهة لا تنام عن الخائنين، أنت أولى مني بالندم أيها الكاهن؛ لأنك خنت بلادك التي أنبتتك، فوجب أن يقتلك وخز الضمير، وأنت الكاهن الأعظم تدخل على الإله في قدس أقداسه ملوث النفس بأدران الرذيلة، وستندم أنت يوم تقف بين يدي الإله أزوريس في قاعة العدل، ويوم تتناولك عيون قضاته وأنت مطرق خجلا مما ارتكبت.
حابي :
عجبا لك يا نوب حتب! تذكرين الآلهة كما يذكرها السذج من الناس، بعد أن بلغت من العلم ما بلغه عظماء الرجال، وكان يجب عليك أن تعرفي الأمور على حقيقتها، فما بالك تتخبطين في الجهل والأوهام تخبط عامة الشعب؟ أتجهلين يا نوب حتب من هم هؤلاء الآلهة الذين تذكرينهم؟ وهل كانوا إلا آلات صنعناها نحن بأيدينا؛ لنتملك بها رقاب البشر؟ ألسنا نحن الكهنة الذين نتكلم من جوف الإله آمون يوم عيد الأموات، فنخاطب الملك والرعية بما نريد، ولقد كان في استطاعتي وأنا أتكلم من جوف الإله في العيد الماضي أن آمر بتقطيعك إربا، فيتسارع الناس إلى تنفيذ أمري ملوكا وسوقة؛ فاسمعي نصيحتي وتمتعي بنعيم هذه الدنيا؛ فليس بعدها نعيم ولا شقاء كما تتوهمين.
نوب حتب :
هب أيها الكاهن أني أصبحت مثلك لا دين لي ولا عقيدة، فهل كنت أرضى بذلك النقص المعيب في الأخلاق؟ إني أكره الرذيلة، لا لأن الدين نهاني عنها، ولكن لأنها نقص أخلاقي يجب أن أترفع عن الهبوط إليه، وأحب الفضيلة، لا لأن الدين حض عليها؛ بل لأنها كمال نفساني تعشقه نفسي وتهواه، إني أقدر الرجال بمقدار عقولهم، والرجل الذي يتغلب هواه على عقله، حيوان لا قيمة له في نظري مهما كانت سلطته المادية، وكفاك نقصا أيها الكاهن أنك بانغماسك في شهواتك وملاهيك، تضطر إلى الكذب لتخفي سوآتك، والكذب خلة لا يرضاها أحد من الفلاسفة الذين تدعي الانتساب إليهم، وكفاني أنا شرفا في نظرك أنت، ونظر أمثالك من الكافرين، أني لا أنحط إلى رذيلة الكذب الممقوتة.
إنك رجل من رجال التعليم العموميين، يجب أن تفكر في صالح الناس، فهل من صالح العالم أن تصارحنا بتلك الأفكار السامة، التي لا تؤدي إلا إلى الخراب والفوضى؟ إن الفقير من عامة الناس يقضي طول يومه في عناء متواصل، ويعود بعد عمله الشاق إلى مثواه الحقير، فلا يجد ما يسد به رمق الحياة، ومع ذلك تراه ينعم بالخيال؛ إذ يعتقد أن حظه في الآخرة عظيم؛ لأن الآلهة ستكافئه على تعبه هذا بخير جزيل، فكيف تحرم هؤلاء المساكين من التنعم حتى بالخيال، وتسلب منهم تلك السعادة الموهومة، التي لولا انتظارهم لها لثاروا على الأغنياء، فمزقوهم شر ممزق، واستولوا على أموالهم؟ وهكذا تخرب الدنيا بمسعاك ومسعى أمثالك، ممن يدعون الفلسفة وليس لهم من العقول السامية والمدارك العالية ما يؤهلهم لها.
إن الفلاسفة الحقيقيين لا تنحط نفوسهم إلى الرذيلة مهما كان اعتقادهم في الدين، فنفوسهم الأبية الكاملة لا تحتاج إلى تعاليم دينية، كما لا يحتاج كرام الناس إلى الحكومات في ردهم إلى الصواب، فاعتقادهم لا يضر العالم شيئا ما دام لهم من علو نفوسهم دين قويم، ومن حكمتهم وتبصرهم ما يمنعهم من التصريح أمام العامة بما يعتقدون، أما أنتم أنصاف الفلاسفة المغرورون، فالويل للعالم منكم!
Shafi da ba'a sani ba