حدثني أبي رضي الله عنه ، قال : بلغني أن أبا الحسن بن الفرات ، اجتاز وهو متوسط الحال ، في بعض الدروب الضيقة راكبا ، وبين يديه غلامان ، فسال عليه ميزاب من دار فصيره آية ونكالا . فقال لأحد غلمانه : اطلب لي موضعا أدخله . فدق على قوم بابهم ، وكان صاحب الدار خياطا ، فلما رأى شارة أبي الحسن ، وهيأته ، أعظمه وخدمه ، وأدخله وأجلسه ، وأخذ ثيابه فدفعها إلى زوجته لتغسلها ، وجلس يحادثه ، وبادر الغلام الآخر إلى دار أبي الحسن فجاءه بخلعه ثياب قبل أن يفرغ من غسل ذلك القماش ، فلبسها ، وأمر بترك تلك الثياب على القوم ، وانصرف . وضرب الدهر ضربه ، وولي الوزارة الأولة . فاجتاز يوما راكبا في موكب عظيم ، فقام الناس ينظرونه ، وقام الخياط ، فلما رآه عرفه ، فقال لأهل سوقه : إن لي مع هذا الرجل قصة طريفة ، وأخبرهم بها . فقالوا له : إنه كريم ، ولو قصدته لانتفعت . فلما كان من غد قصده الخياط ، فصادف مصيره إلى بابه ركوب ابن الفرات ، فدعا له ، وقال : لي بالوزير حرمة . فتأمله ابن الفرات ، فعرفه ، وتذكر قصته ، فأمر بإجلاسه . فلما عاد استحضره وسأله عن خبره ، وخبر زوجته ، وأولاده . فأخبره ووصف خلة . فقال له : أيما أحب إليك الجائزة أو الخدمة لنا ؟ فقال : بل خدمة الوزير . فأمر بألف دينار ، وأن يجعل رئيسا على الخياطين في داره ، ففعل به ذلك . فما مضت عليه مديدة حتى صار صاحب عشرات ألوف .
Shafi 42