يا ابنة أبيك! يغدرنا الزمان ساعة الرجاء، ويخوننا يوم الصفاء، ويهجرنا حين اللقاء، فأنت خائنة هاجرة كالزمان، يا ابنة الزمان!
كم من ساع طيبات وقت مرورهن على دوران عقربيك وفكري يناجيك بأحاديث هداه وضلاله! ابسم لك عند السرور فأتخيلك صامتة تبتسمين، وأتنهد حيالك يوم الأسى فأتوسمك تتنهدين وتحزنين، وكأن عقربيك ذراعان يمتدان نحو العلاء مستغيثين متوسلين.
لما أفنت قلبي وحدة القلب ضغطت بك على ساعدي قائلة: «أنت الصديقة التي لا تخون.» ولما مزقت سمعي أكاذيب الناس وأحاديثهم المؤذية خاطبتك قائلة: «أنت لا تؤذين لأنك لا تتكلمين.» ولما أذابني الجهل بدعواه والغرور بسخافته نظرت إليك قائلة: «أنت عالمة لذلك تصمتين.»
وكنت تعزيني!
وكنت زماني، يا ابنة الزمان!
وعلى هذا ما كان أطول إعراضك عني وأقل اهتمامك بي! في النهار كنت تطوقين ساعدي فيوجعه أثر سلسلتك وأجيب أنا على هذا العنف بلمسة المداعبة، وفي المساء كنت تستريحين بجوار وسادتي، فأوقع على موسيقاك الساهية ألحان أحلامي وآمالي، وفي الصباح كنت أول عين أشاهدها وأول روح أستجوبها.
كل ذلك وأنت لا تنتبهين ولا تعلمين.
وها قد هجرتني، فقدتك فسيري بحراسة الله وانسيني!
ولكن انتخبي اليد التي ستطوقينها!
فإذا وقعت في يد شرير وقصد استعمالك ليؤذي أخا له فانقلبي أفعى لساعة ولا تبرحي مفرغة فيه سمك حتى تصرعيه قتيلا! ... لكن لا، لا! ليس الأشرار إلا ضحايا البشر وضحايا نفوسهم لو كنت تعلمين، وهم خليقون بالرحمة أكثر من الأخيار الصالحين؛ فلا تتحولي حية ولا تؤذي شريرا، بل غادري تلك اليد المسكينة واسقطي في طريق أب فقير لتكوني من نصيب فتاة لم تلبس في حياتها حلية، زيني يدا شوهت خشونة الخدمة جمالها، ونامي على زند الفتاة الغربية بدلال القبلة والتحبب! نامي هناك وأسعدي ولو ساعة قلبا بائسا يحسب السعادة في الغنى!
Shafi da ba'a sani ba