لا أدري أنفضل المرأة الغربية في معرض الأخلاق أم تفضلنا؟ فهي أشجع منا في اقتحام الخطوب وإن كانت لا تقل عنا جزعا عند المصائب، ونحن لا ينقصنا ذكاء كذكائها وإنما ينقصنا عزم وثبات كعزمها وثباتها، هي تعمل لتعيش ونحن نتكل إما على آبائنا أو أزواجنا فلا نعمل شيئا، وهذا الاتكال معيب في نفسه، فضلا عما تخلقه تقلبات الأيام، فلو تعلمت كل فتاة شريفة مستقلة لما رأينا البائسات تموج بهن الطرقات والمهيضات بعد سابغ عز وسابق نعمة ينتظرن إحسان الأخ أو أحد الأقارب، وقد تكون المرأة سيئة الخلق فنمل عشرتها، أو يكون لها من الأولاد ما تنوء تربيتهم بذلك الأخ أو القريب، والمرأة الغربية تعتني بكل شيء حتى التافه، ونحن بما ركب في طبعنا من المسالمة نميل إلى الإهمال والكسل، وأرانا أسلم منا قلبا وأقل خداعا لعدم الاختلاط بالرجال أيضا، فإنها لتجوالها في الخارج تتعلم كيف ترضي هذا وذاك لتظهر فاتنة جذابة وتعيش خداعة محتالة؛ إذ الحاجة تعلمها الاحتيال على العيش، فهي تطلبه بكل الوسائل الممكنة، وهي ولا شك أنشط منا وأثبت على العمل إلا أننا أكثر قناعة وأشد رضا بالقليل.
بقية العادات:
للخرافات سلطان كبير على المرأة الغربية، وإن كان بعضنا يظن أنها معصومة من الخطأ، فنحن وهي سيان في التفاؤل والتشاؤم وتصديق العرافات والمنجمين والمشعوذين والاعتقاد بطلوع العفاريت في الظلمة، وعندنا الزار وهو أبو الخرافات ومفسد البيوت، وهي لا تعتقد به وإن كانت تصاب بأعراضه العصبية، فلماذا اختارتنا العفاريت (يا ترى) مسكنا لها دون أختنا الغربية؟! وإذا فرضنا المستحيل وصدقنا القائلين بتقمص الأرواح؛ فلماذا لا تلجأ إلينا روح أرسطو وابن رشد وأبي العلاء وغيرهم من الفلاسفة والمصلحين؟! أم قضي علينا حتى في الكذب والترهات أن نكون دائما متأخرات فلا يلبسنا إلا (الشيخة رمانة وسفينة ويوسف مدلع ونحوهم ممن لا يطلبون إلا الخلاخيل والمصوغات والسيوف المذهبة)؟! ألا إننا لم نبرع في حيلة إلا هذه، تخاف المرأة أن تطلب ملابس وحليا فيرفض زوجها الطلب فتعمد إلى ادعاء العفاريت والجن لتهديده، أعرف كثيرات ادعين (الزار) فرفض طلبهن وبعضهن ضربن بسببه فلم يعدن إليه، وليت شعري! إذا كانت العفاريت جبناء إلى هذا الحد؛ فلماذا لا يستعمل الرجال العصي وهي كثيرات وإن كنت لا أوافق على ضرب الرجل للمرأة بحال من الأحوال؟! إنها لتصر على دعوى أن العفريت هو الذي يتكلم بلسانها ويشعر بأعضائها وأنها أعارته ظاهرها، ولا أعلم إلى أين ذهبت هي! إذن، فليضرب العفريت فهو الذي في ظاهر زعمها يتألم دون أن يصيبها شيء من آثار الضرب! ولعل المتحضرات الحديثات يدعين قريبا أن الملائكة تقمصت أجسامهن؛ لأنهن أحكم تصرفا وأحسن اختيارا كأنما عفاريت الأرض نفدت لكثرة الطلب فانصرفت هممهن إلى السماء، كما فعل مخترعو الطيارات، لما ضاقت بهم فجاج الأرض، وحينذاك يأنفن ركوب الضأن والإبل المستعملين حتى الآن في الزار فيمتطين المخترعات الحديثة وإن كانت لا تزال خطرة الاستعمال، فلا تتيهن علينا البارونة دي لارو فربما نبغ عندنا كثيرات مثلها، وإن كان باعثهن (مودة الزار) لا العلم، لا أعلم عند الإفرنجية عادة تساوي الزار في القبح إلا مخاصرة الرجال في الرقص، وما يتبع تلك العادة من التهتك والتصنع والميل عن جادة الصواب، وما ينشأ عن إباحتها المطلقة بلا قيد ولا وازع من الضرر البليغ والإخلال بالشرف، وأدهى من ذلك أن ينتشر بينهن مذهب حرية الاعتقاد، وهو مذهب من لا يصدق بالله ولا باليوم الآخر، فيزعمن أنهن يجتنبن الرذائل بمحض إرادتهن وتربيتهن، ولكن هل إذا منعت الفضيلة امرأة عن إتيان ما لا يرضى؛ فهل يصح أن تطبق هذه النظرية على كل امرأة؟! ألم يكن الإيمان بالله وترقب ثوابه وعقابه هما المانعان لكثير من الناس عن الانتحار والكفر وإتيان المناكير والفحشاء والخيانة؟ ألا ساء ما يحكمون.
إن النفس لأمارة بالسوء، ولقد تقدم على كثير من الموبقات لولا الضمير الحي وهو ثمرة الوازع الديني؛ أفلا يعقلون؟! أرانا لا نتمسك شديدا بديننا الحنيف وهذا بدعة وعدوى أتتنا من الغرب، فهلا تفكرنا قليلا فيما ينفعنا وما يضرنا قبل الإقدام على التقليد؟! أو كلما رأينا إنسانا يفعل شيئا حاكيناه وإن كان في ذلك هلاكنا وخسارة ديننا ودنيانا معا؟!
المأتم:
بينا الإفرنجية ورجالنا أيضا يجتهدون في التلهي والتعزي عن المصيبة، تجدنا بالعكس نعقد الاجتماعات لنبكي، ونستأجر النائحات (المعددات) ليزيدن نار الأسى تأججا في قلوبنا! وماذا يجدي الحزن وهو لا يرد ميتا ولا يعيد مفقودا؟! قال أبو العلاء:
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك ولا ترنم شاد
وإن من تعاليم الإسلام أن يصبر المرء عند الملمات ويترك ما فات لما هو آت، والعاقل من يصرف همه إذ لا معنى للعيش مع البؤس، وإن العمر إلا أيام تنقضي فلماذا لا تجعلها سعيدة بقدر ما تستطيع؟!
المسرات:
Shafi da ba'a sani ba