جمال السيدات يضيعه التبغ والخمر
الله أكبر! ما جمال المرأة المعنوي إلا في عفتها ووداعتها، والتبغ مذهب لتلك الوداعة مخل بصفائها؛ صور قدماء الرومان واليونان آلهتهم برموز وتماثيل تدل عليها، وكذلك يصور المعاصرون من الفرنجة كثيرا من المعاني في أشكال مجسمة تعينها، مثلوا الحنو الوالدي والشفقة والصبر والحب وغيرها في حجارة نحتوها وصور نقشوها، ولعلهم لم يفتهم تصوير الكسل ولو أنصفوا لصوروه امرأة تقضي وقتها بين السيجارة والقهوة، وأظننا لا نجهل مثلا حية كثيرة له.
وكما يذهب تعاطي التبغ بالجمال المعنوي، كذلك يسلب الجمال الحسي، يرمي الأسنان بالصفرة ويغير اللثة والشفتين، وأظنه يغير طعم الفم أيضا، ولو عاش الشعراء الأقدمون إلى هذا الوقت لما رأينا في أشعارهم ذكر اللؤلؤ والبرد ووميض البرق، وغيرها مما كانوا يشبهون به أسنان النساء لشدة بريقها، فإذا كانت المعاصرات - وخصوصا المتدينات منهن - يزعمن أنهن أرقى من مثيلاتهن الغابرات في كل شيء فقد أخطأن، وإذا كان دارون وأنصاره يدعون اطراد التحسن والارتقاء في التسلسل الذي قالوا به، فقد كان يتحتم عليهم أن يستثنوا جمال النساء؛ لأنه راجع القهقرى، ولو اقتصرن على تعاطي التبغ لهان الأمر، إنهن - والأسف ملء فؤادي - يتعاطين الخمر سرا وجهرا، أعوذ بالله من شر المدنية الحديثة، ومن شر التقليد الأعمى.
الرجل أبشع ما يكون حين يسكر، والمرأة أبشع ما تكون حين تشرب الخمر، وقد سرى هذا الداء العياء بين الطبقات العالية من النساء، بدعوى أنه من كماليات التفرنج، ويقلدهن فيه الباقيات تشبها، ويتبجح بعض النساء الآن في الأعراس بطلب الكؤوس والأقداح وزجاجات الخمر؛ إذ يشربن بلا احتشام، ولا يلبثن أن يتمايلن ويهذين كسكان (السراي الصفراء).
حدثتني سيدة ثقة من المتألمات لهذه الحال أنها دعيت إلى عرس أحد (الذوات)، ولما جن الليل قام من بين المخمورات اثنتان فهذتا ما شاء الجنون، وبعدها تشاجرتا وأمسكت كل واحدة منهما بتلابيب الأخرى فمزقتا أثوابهما المزركشة، وكانت النتيجة سخرية وفضيحة، وقد أكدت لي محدثتي أن ثوب إحداهما كلفها أربعين جنيها؛ فيا للعار! إنها لبدعة وضلال كبير ... ذهب الوقار وانتشر الفجور فبئس التدين وبئس التقليد، ألمثل هاتين المرأتين توكل تربية الأولاد، ومن مثلهما يطلب تدبير الدور؟ إن السكرى لا تعي ما تقول ولا ما تفعل، وقد يجرها الخمر إلى شر أنكى من الهذيان، وإن المتتبع لسير نسائنا ليدهش من كثرة الفساد بين الطبقة العليا منهن وهي تعدي كالجرب غيرها من الطبقات، أين وازع الدين؟ أين زاجر العقل والآداب؟ يا قوم لا تغرنكم زخارف المدنية وربوا بناتكم تربية إسلامية، ولا بأس من اقتباس الحميد من المدنية الأخرى، وإن تدهوركم هذا لآخذ شيء بكم وبالوطن إلى مهاوي الاضمحلال، وأي فساد أكبر من اندماج أمة في أخرى، وتلاشي عاداتها وآدابها في اتباع سنن لا تتفق مع دينها ولا مع مدنيتها؟
إن فساد كثير من النساء راجع إلى بعولتهن، فكثيرات من تعلمن منهم المسكر، وكثيرات من يسكرن معهم في البيت حرصا عليهم أن يسكروا في الخارج فيرنوا إلى غيرهن، أو تسلب نقودهم، ويجعلن لأنفسهن عذرا أن بعض الشر أهون من بعض، إلا أن المرأة الحكيمة هي التي إن رأت في بعلها خصلة ذميمة أخذته بالحيلة وحسن السياسة والتأثير إلى أن يتركها، لا التي تحاكيه فيها فيتضاعف الفساد، وأجدني مضطرة إلى توجيه بعض اللوم إلى أطبائنا في هذه الحال، فأغلبهم يصفون أدوية فيها مزيج من النبيذ وغيره للسيدات بدعوى أنها تقوي الدم أو تجلب الدفء أو تمنع المغص وغير ذلك. نعم؛ إنهم يصفونها بقصد حسن لأنهم يعرفون من خصائصها ما قد يشفي ما وصفت لأجله، ولكن في إمكانهم أن يستبدلوا بها عقاقير أخرى لها نفس تلك الصفات، ولا يبعد عليهم معرفتها أو التنقيب عنها في كتب الطب القديمة؛ لأن بعض النساء يتوكأن على أن الخمر داء، فيتعاطينه لذاته ويزعمن أنه للشفاء، وقد تترك فيهن الكأس الأولى وهي دواء ما يجعلهن يعدن الكرة في غير ألم.
أما الضرر الصحي من التبغ والخمر فلا يقل عن مثله الاجتماعي، فقد أوضح الأطباء مفعوله وبينوا مقدار (النيكوتين) السام في كل لفافة (سيجارة)، وكيف أنه يضر الصدر والعيون ويفسد الشهية للطعام، أما الخمر فكفى أنها تقطع الكبد وتفسد العقل، وفي تقرير كتبه مدير مستشفى المجاذيب أن أكثر من نصف ضيوفه اللطاف أذهبت عقولهن المغيبات!
إن أثقل وقت تقضيه السيدة التي لا تدخن هو الذي تجتمع فيه بأخريات يدخن، فيرسلن سحب دخانهن فتستعير ويسد عليها الدخان منافسها، ولعل الله بفضله وكرمه يسمعنا عن حريق آخر في مخازن الخمور كما أحرق مخازن التبغ، فتجد المتوسطات والفقيرات من غلاء أسعارهما ما يمنعهن من تعاطيهما، ويكون عزاؤنا الوحيد لأصحاب الخسائر بيت المتنبي:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
Shafi da ba'a sani ba