إنه لاسم فظيع تكاد أناملي تقف بالقلم عند كتابته، فهو عدو النساء الألد وشيطانهن الفرد؛ كم قد كسر قلبا، وشوش لبا، وهدم أسرا، وجلب شرا، وكم من بريء ذهب ضحيته وسجين كان أصل بليته، وإخوة لولاه ما تنافروا ولا تناثروا ففرقهم أيدي سبأ وأصبحوا تأكل الحزازات صدورهم، ويضمرون السوء بعضهم لبعض، يثأرون ولا ثأر بني وائل وكانوا لولاه متفقين.
إنه لاسم فظيع ممتلئ وحشية وأنانية، كم أحرج رجلا وعلمه الكذب فأفسد عليه خلقه، وكم بذر مالا كان يعده لبعض رزقه، وكم أحفظ قلب والد على ولد، وكم علم الوشاية والحسد، فإذا ما لهوت أيها الرجل بعرسك الجديد فتذكر وراءك بائسة تصعد الزفرات، يتساقط من مآقيها أمثال لؤلؤ عروسك، ولكنه صهرته نار الحزن فظهر سائلا، واخش الله في صغار يبكون لبكائها، علمتهم الحزن فاستعاروا يواقيت عرسك أعينا، أنت تقرع سمعك الطبول والمزامير، وهم لا يسمعون إلا دق الحزن في طبول آذانهم وكانوا من قبل ذلك جذلين.
وهذه البادية التي أقطن الآن لا أبالغ إن قلت إن جميع نسائها جربن الضرائر لشيوع عادة الجمع بين زوجتين في رجالهن، ولي من مخالطتهن ما يجعلني على ثقة من هذا الموضوع.
طالما سألت امرأة من الحي هذا السؤال: «ترى هل تحبين زوجك الآن كما كنت تحبينه قبل زواجه من غيرك؟» فكان جواب كل من سألت سلبا.
وقد حقق لي ذلك بعضهن، وسمعت عن أخريات أنهن في الحقيقة كن يفضلن أن يرين نعش أزواجهن محمولا على الأعناق على أن يرينهم متزوجين بأخريات، فيا لله! أإلى هذا الحد يبلغ بغض المرأة للضرة؟! فليتأمل الرجال، أرى «القديمة» حزينة و«الجديدة» كذلك، فإذا قلت للأولى: ماذا يحزنك؟ أجابت: يحزنني ذلي وانكسار قلبي وأنا على ما ترين لست أنقص عن الجديدة جمالا ولا أدبا وكنت أبذل جهدي في مرضاة زوجي أما الآن فلا. على أنه لا يزال يسترضيني فيقول لي: أنت أحب إلي من الأخرى، وأنت أول من ملك قلبي، وأنت جميلة، وأنت وأنت ... إلخ، وأنا لم أتزوج عليك لنقص فيك وإنما كان ذلك مقدورا، وإذا ما سألت الجديدة عن سبب انقباضها قالت: يحزنني أن أرى لي شريكة ومنافسة على أن زوجي يحقق لي أنه لا يعبأ بها، وأنه لو كان مقتنعا بها لما تزوج عليها، وأنه يريد طلاقها ولكنه يبقيها رحمة منه لتربي أولاده فقط، فما أقدر زوج الضرتين على التفنن! ولو أنصفوا لعينوا زوج كل اثنتين سياسيا أو ناظرا للمستعمرات! (ولكن الذي يؤسف له أنه ليس لنا مستعمرات).
المرأة إذا ابتليت بالضرة انطفأ سراج بهجتها، والتهبت مكانه نار حقدها وذوى غصن قدها وزرعت محله بذور شرورها، فإن لم تك تقية وإلا وسوس لها الشيطان وعلمها أساليب الانتقام والكيد، وكثيرا ما دست امرأة السم لزوجها أو لضرتها أو لابن ضرتها فكان القضاء عليهم جميعا، وكثيرا ما عمدت للوشاية بها عند زوجها أو ثلم صيتها عند الناس، وأغلبهن يبذلن مالهن ويبعن مصوغاتهن للسحرة ليكيدوا للزوج ولامرأته على زعمهن.
فزوج الثنتين غير سعيد كما قد يخيل له؛ إذا تغيب لبعض شغله اتهمته إحدى المرأتين بأنه كان عند الأخرى، ويا ليت التهمة تقتصر على هذا فإن هناك التغير والتدلل والكراهية والبذاءة أحيانا، وإذا نسي واشترى لواحدة منديلا ولم يشتر للأخرى صب عليه سوط العذاب وألزم بأضعاف أضعافه، فما كان أحوجه للراحة وما أشد اشتغال باله! الإكثار من الزواج داء إذا تأصل صعب استئصاله.
ولا أعذر الرجل يتزوج مرتين إلا إذا تعذر عيشه هنيئا مع زوجته الأولى، لسبب ما - شرعيا كان أو غير شرعي - فيضطر للزواج اضطرارا، ولكن الحازم لا تنسيه أفراحه أولاده ولا امرأته الأولى إن كانت لا ذنب لها، أما إذا كان يعد بقاءها معه منغصا لحياته، أو كان كارها لها فليطلقها بتاتا، فربما يجد مع غيرها راحة وتجد هي كذلك مع غيره «وفي الأرض عن دار القلى متحول».
والطلاق - على مذهبي - أسهل وقعا وأخف ألما من الضر، فالأول شقاء وحرية والثاني شقاء وتقييد، فإذا كان الشقاء واقعا على كل حال فلماذا تلتزم المرأة الصبر على الشدة وترى بعينيها ما يلهب قلبها ويدمي محجريها؟ ألا إن حزينا حرا خير من حزين أسير، وبعضهم يخادع المرأة الأولى بأن يجعلها حاكمة على البيت معها مفاتيح خزائنه، ولكن ماذا تفيد مفاتيح الخزائن والحكم على السمن والعسل؟! وأين هذه من مفاتيح القلوب وحب الزوج؟!
تعدد الزوجات مفسدة للرجل، مفسدة للصحة، مفسدة للمال، مفسدة للأخلاق، مفسدة للأولاد، مفسدة لقلوب النساء. والعاقل من تمكن من اكتساب قلوب الغير، فكيف بقلوب الأهل والعشراء؟
Shafi da ba'a sani ba