كذلك الفتاة إن فوجئت ببعل مدمن أو خليع أو فاسد السيرة؛ فيا طول ما تقاسي من عناء! فمسألة الزواج عندنا هي ككل أمورنا نحن الشرقيين نكلها للقضاء والقدر والحظوظ وما شئت من المترادفات ...
ومما جعل مسألة الزواج عندنا - أي المسلمين - هينة لينة إباحة الدين الحنيف الطلاق وتعدد الزوجات، ولكن حاشا أن يكون قصد الشارع ما نراه الآن من الفوضى في أدق الروابط الاجتماعية، ومن نقص عهود الأسر وقلب نظاماتها، فإن الأديان لم تخلق لجلب البؤس وإنما خلقت لإسعاد البشر ولتقريبهم من الإنسانية، أو لإبلاغهم حدها الأقصى إذا تيسر ذلك.
وطريقة العرب على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ، وما بعده في أمور الخطبة والزواج طريقة شريفة معقولة إذ لم يكن الحجاب حينذاك كما هو الآن، وإني أجاهر بأن حجابنا مقلوب ونظام اجتماعنا فاسد أشد الفساد، لا يصلح ولن يصلح لأن تتبعه أمة متمدينة.
أليس عجبا أن نرى نساءنا وفتياتنا يتهتكن كل يوم في عرض الشوارع، ويملأن حوانيت الباعة، ويذهبن في الخلاعة كل مذهب؛ فيكلمن سائق (الترام)، ويقفن مائلات عاريات الصدور متبرجات أمام المصور (فوتوغراف)، وإذا طلب خاطب مستنير من أبي الفتاة أن يسمح له برؤيتها والتكلم معها وأبوها يراقبهما عد ذلك أمرا إدا. هذا رجل وذاك مثله! والأول تكلمه بلا مراقبة وإنما بعلم من أهلها وترخيص، والآخر يريد أن يكلمها أيضا ولكن مع مراقبة أبيها وغرضه شريف، وهو معرفة كنه التي سيتزوج بها ويجعلها شريكة حياته ومربية ولده، فما السبب في منح الأول ومنع الثاني؟ اللهم إن هو إلا الجهل والعادة وحب القديم حتى ولو كان مضرا.
إذا اعترض أحدهم وقال: إن الفتيان أغلبهم فاسدو الأخلاق، قلت: إن المصور والبائع أفسد خلقا من الفتى المتعلم، على أن المراقبة مانعة للفساد على كل حال، ثم إن خوف الفتنة أكثر في الحالة الأولى منه في الثانية؛ لأن المقام الأول مقام هزل؛ فتضحك فيه الفتاة بلا مبالاة، وتكشف عن ذراعيها أو صدرها عند التصوير مثلا وتكون في الغالب متبرجة. أما المقام الثاني فهو مقام جد لا تتعدى فيه الواحدة حد الحشمة، فمن أين تأتي الفتنة إذن؟
وعندي أنه لو اتبع هذا السبيل في الخطبة لكان خيرا ولقلت حوادث الشحناء بين الزوجين فيما بعد، وهي بلا شك نتيجة الزواج (العمياني) الذي نتبعه في أعز شيء لدينا وهو أبناؤنا وبناتنا. ولا يقتصر الخاطب على رؤية العروس فقط فإن ذلك لا يكفي، بل يجب أن يستفهم عنها جيدا ممن يعرفون أخلاقها ويبحث عن سيرتها وأهلها، فيتزوج منها على هدى بعد البحث والاستقصاء، وهذه الشروط بعينها يجب أن يتبعها والد العروس قبل أن يسمح للرجال برؤية ابنته، فما كل راء خاطب وما كل خاطب جاد، ورب فتى هازل يريد اللهو أو فاسد يحب الاطلاع على الفتيات بغير قصد الزواج! فهؤلاء يخرجون من موضوعنا؛ لأننا لا نعنيهم وإنما نعني الشريفي النفس الحسني السيرة، والأب مكلف بالبحث عن حقيقة سائليه كما بينا قبل.
وهنا يعترضني فكر يجب أن أبسطه وإن آلم بعضهم، فإن شباننا لم يتعودوا احترام النساء، وذلك نقص في التربية الاجتماعية يجب أن يتداركوه. لا أريد أن يسجدوا لنا، بل أن يفسحوا لنا الطريق إن ازدحمت، ولينظروا إلينا كما ننظر إليهم أناسا مثلهم وليتركوا إشارات التعريض وألفاظه التي أصمت آذاننا، ولولا خوف مفاجأة العجلات والدواب لسددنا مسامعنا عند كل سير في الطريق تخلصا من تلك البذاءة المحرجة، فهؤلاء وأمثالهم لا أصاهرهم لو كنت أبا، ولكن بين شباننا كثيرين - بحمد الله - يتبعون الصراط السوي.
وقد سمعت كثيرا عن قوم طلب منهم أن يروا خاطبا ابنتهم فأروه أخرى جميلة وزوجوه من التي لا يرغب فيها غشا منهم وترويجا لبائرة عندهم، ولعل أحدهم يجعل ذلك من جملة اعتراضاته على الموضوع، ولكني سبقت فقلت: إن هؤلاء قوم لا شرف عندهم، والشريف وغيره يظهر من معاملاته وطباعه وسيرته، والبحث يفرق بين الضدين فلا يعقل أن يستمر الرجل شريفا في كل أمر يأتيه مع إخوانه ومعامليه ثم تتغير ذمته فجأة عند زواج ابنته! إن هذا يكاد يكون مستحيلا، ثم إن هناك قوما يعجبون بالخاطب وبأخلاقه ولكنهم يردونه خائبا؛ لأن المهر الذي عرضه عليهم قليل، فيا ليت شعري! أيشتري العاقل الراحة بالمال أم يشتري المال بالراحة؟ وماذا عليهم لو كانت ابنتهم سعيدة غير غنية؟ إن أكثرهم يطلبونها غنية قبل كل شيء، ويحسبون السعادة تابعة للغنى ألا ساء ما يحسبون.
ومن أكبر الأسباب المنتجة لشقاء الزوجين عندنا عدم ائتلافهما؛ أن يكون أحدهما راغبا في زواج آخر يعرفه أو يحبه فيجبره أهله على التزوج ممن لا يريد، والمثل الفرنسي يقول:
Shafi da ba'a sani ba