يهدأ النيل الشاب على مسافة ستين كيلومترا من مجراه بعد منبعه، ويتعرف النيل الشاب ببطائنه، وينزل مائتي متر بين المساقط والدوافع، ويحيط ببضع جزيرات كثيرة الغابات، ويبصر أناسا عراة أنشئوا أكواخا لصيد السمك وتجفيفه وتدخينه.
والنيل عندما يغادر الدوافع ويتسع ويسلك سبيل الحكمة يباغته الناس ويرهبونه بأمر جديد عليه لا ريب، وبيان ذلك أن زوارق وبواخر صغيرة تنتظره فيرى لزاما أن يحتمل استواء أناس على ظهره، ويبدأ النيل وضع ذلك الوزر
1
عنه بشدة، وتعينه حجارة قراره وصخور قاعه على ذلك، ثم يذعن لما كان من إنشاء الإنسان الماكر سفنا ذات حيازيم
2
مسطحة. فيظل النيل صالحا للملاحة مائتي كيلومتر، وبالقرب من المكان الذي يغدو به ذلك الأمر ظاهرة النيل، ومن درجة العرض الشمالية الأولى، يلوح الخط الحديدي متوجها إلى الجنوب الشرقي نحو كينيا والبحر بما لا يكاد يمس به النيل، ولا يدنو الخط الحديدي الثاني من هذا البر إلا في الدرجة الثالثة عشرة الشمالية؛ أي بعد ألفي كيلومتر، فهذا هو طول البقاع التي تعترض دون إنشاء خطوط حديدية.
ولا يكاد النيل يحتمل باخرة حتى يعاني مغامرة جديدة؛ وذلك أن ضفاف مجراه تتوارى فيتسع مقدارا فمقدارا، وأين الغابة التي تفرض عليه حدودا ثابتة؟ كان عرضه ستمائة متر منذ هنيهة، فلم يلبث أن انبسط على كيلومترات ويغيض ماؤه، ويصبح ناقص الصورة، ويهبط في ضرب من الإسفنج فيخشى ضياعه، ويتقدم، وكلما تقدم تمطى وأضحى عمقه ثلاثة أمتار أو أقل من ذلك عند طرف المستنقع، وهذا إلى ما يظهر من ستره بالخضر والزهر، ويبدو كل شيء حوله ساكنا نائما، ويلوح إقدامه معطلا وسروره زائلا، وماذا حدث إذن؟
ترانا في بحيرة كيوغا، وهي مساحة واسعة من الماء مع أربعة فروع كبيرة، وهي مستنقع يحف البردي من حوله، ويجتابه النيل في مائة كيلومتر فيعاني نباته، وتتأصل جذور النيلوفر
3
بسهولة في تلك المياه الدنيا، ويكسوها هذا النبات العجيب الأزرق السماوي مع تجاويف ذهبية يعلوها زهر آخر أحيانا، فكأن ذلك بساط حقيقي مصور نمطي يتوارى النهر تحته تقريبا.
Shafi da ba'a sani ba