276

Nil: Rayuwar Kogi

النيل: حياة نهر

Nau'ikan

18

كالسكين، وتظهر هذه الشهب ما تشتعل فوقه من بناء هائل، وتسقط شرارة في هذا العالم الذي يرجع إلى ما قبل الطوفان، ويبتر جدار من فوره وينهار، وهذه هي خاتمة الفوضى، فقد فرضت عزيمة ناظمة سلطانها، وتلاشت ألوان السماء والمعبد وتوارت الغيلان الحجرية، ويسد خزان من الحجر الرمادي تلك البحيرة في وجه الشمال، فلم يبرز غير رتج المعبد، ونرى من ناحية هذا السد الأخرى سلسلة من المساقط المصنوعة الموضوعة وضعا منتظما، وهذا العمل هو سبب كل شيء، وهذا العمل هو الذي يزعج نوبية الدنيا على طول 350 كيلومتر، لحرمانه ألوف الفلاحين بيوتهم ولدحره إياهم إلى التلال الجرد، ولإغراقه النخيل ومعبد بلاق الذي نحن عليه، والإنسان قد قهر النيل بذلك البنيان، وذلك هو اختراع جريء قد عين مصير النهر في مجراه التحتاني ومجراه الفوقاني، وذلك هو المكان الذي يخسر النيل فيه حريته.

وذلك هو خزان أسوان.

الفصل التاسع عشر

مكافحة الإنسان أوقعت النيل في خطر على طول مجراه الأوسط من غير أن تغيره في أي مكان كان، ولم يغلب النيل في المناقع ولا في الشلالات، وقاوم النيل مغويات السهل، والنيل أبلى الجنادل، والنيل قد تفلت من يد الإنسان، والنيل قد أحبط جميع خطط إنشاء القنوات وجميع الجهود لجعله صالحا للملاحة، والنيل في وادي حلفا، وحين خروجه من الشلال السابق للأخير، ملك أقوى من الفراعنة الغطاريس، والنيل الصامت القليل الهيجان قد اقتحم الجلاميد والمناقع والصحراء منصورا.

ثم عانى النيل هذه المغامرة الأخيرة التي هي أدعى المغامرات إلى الجزع لعجزه عن الدفاع ضد عدو خفي. وقد راعه أن رأى تصاعد موجه بلا انقطاع، وامتداده إلى ما لا حد له. ولما غطى بارتفاعه المستمر أطراف الصحراء كان عليه أثر الغم لا أثر التحرر، وإنه لكذلك إذ يبصر انتصاب جدار هائل غليظ أمامه؛ إذ يرى قيام عدو لا يقهر أمامه جامع للقوة والحيلة، ومن العبث أن حاولت الصحراء والصخر وقف النهر وقهره، فلم يرد الإنسان البارع زواله، وإنما عبده.

وتعد أسوان علامة ختام المغامرة في حياة النيل وآية نهاية الفوضى الرائعة فيها، والنيل يقمع، والنيل نافع، والنيل الذي لم تقدر عليه العناصر ينثني بين يدي الإنسان ويخضع لإرادة العقل، ويبلغ عمل ذلك السد من القوة ما يعين معه الربع الأخير من مجرى النيل فضلا عن أنه يؤثر بنتائجه وممكناته في النهر بأسره حتى خمسة آلاف كيلومتر من مجراه الفوقاني وإعطائه معنى جديدا لجميع ما وصفناه، وسنتكلم بعد حين عن تأثير هذا العمل الفاوستي

1

في مصر، وقد حل الوقت الذي ندرس فيه النيل الذي هو الوسيلة الوحيدة - كعنصر وكماء - لإدراك السبب في وجوب تعيين مصيره بأسوان.

ومن أين يأتي الماء الذي يوقف على ذلك الوجه؟ وفي أي وقت وبأية قوة يصل الموج غدا؟ يجب على المهندس بالقاهرة أن يعرف ماذا تكشف له الطبيعة التابعة لهواها عن أمر النيل الأعلى ليعين مقدار الماء الذي ترسله حواجز أسوان إلى القسم الأدنى من النهر ويعين مقدار ما يجب حفظه وإلى أي حين، والمهندس في مكتبه الصغير وبقلمه الرصاصي وخرائطه وما عنده من جدول في الأنساب العددية يعد الدماغ المدير، وما يرسم على جهاز مورس من خطوط بيض في كل صباح فيعلم به ارتفاع مياه النيلين حتى الرصيرص وملا كال ويعينه على تكوين رأي حول ذلك فيصدر الأوامر ويبرق إلى مهندس أسوان عن مقدار الحواجز التي يجب أن يفتحها في ذلك اليوم.

Shafi da ba'a sani ba