إن الذهب هو جسم الآلهة، وهو غير خاص بكم.
وتحققت تلك اللعنة ذات يوم، ولم يحدث أن خرج النوبيون من الحياة الفردوسية التي ينعمون بها فساروا نحو مجرى النهر التحتاني، والآن يستحوذ عليهم الغضب والفضول والهلع وحب الانتقام؛ فقد علم أحد ملوكهم - بيانكي - ما بين ملوك مصر من شقاق فجمع جيشا، وجاوز الحدود بزوارقه وثيرانه، وقهر أعداءه، ودخل طيبة ومنفيس في سنة 750 قبل الميلاد، وصار سيد جميع مصر هو وذريته من بعده، وقد أتى هؤلاء الفاتحون الوحوش النشاط من كوش الفقيرة، فقبضوا بغلظة على زمام المصريين، وبدوا للمصريين البالغي التهذيب كالهياطلة،
9
وتدل الكتابات على عدم اكتراث ذلك الملك المتخلق بمثل أخلاق البروسيين للحسان في قصر هليوبوليس، وعلى تذمره من نقص علف خيله.
وذهب أحد أولئك الملوك إلى فلسطين نصرا للملك حزقيا على أعدائه الأشوريين، ولا نعرف مدى تأثير المعابد والقصور والفلكيين والملاحيين وأمور نافعة أخرى في هؤلاء الهمج الذين غزوا الحضارة واستقر لهم السلطان عن إرهاب. ومهما تكن الحال فقد طردوا في نهاية الأمر، ولكن مع تزودهم بمعارف كانوا يعدونها ضربا من الأساطير.
وقامت دولة قبل تلك الفتوح وبعدها ممتدة من الشلالات إلى مكان بعيد من شرق بلاد النوبة، وكانت مملكة مروى هذه واقعة في أقصى الجنوب من عروة النيل الكبرى، وكانت عاصمتها نباتة، وكانت مستعمرة الفراعنة هذه قد دعت إلى السلطان كهانا مصريين بلغوا هنالك مهاجرين أو أسارى أو علماء، فيلوح أنهم أوحوا إلى ملوك السود بمغازي الانتقام، فلما عاد الفاتحون إلى بلادهم حاولوا أن يدخلوا إليها فن البناء المصري وعادات المصريين وقوانينهم. ولما أراد الملك بيانكي أن يخلد مفاخره على غرار الفراعنة أو على سنة الطغاة المعاصرين نعت نفسه في كتابات أحد المعابد العظيمة بالكلمة: «جالب السلام إلى البلدين وملك الشمال والجنوب وابن الشمس وصاحب التيجان»، وصور الإله أمون وهو يقدم إلى ذلك الملك سيفا قصيرا، وصور ذلك الملك في وضع يصرع به بضعة نفر من أعدائه.
وظلت تلك المملكة الواقعة بين الشلال الثالث والشلال الخامس حليفة مدة خمسة قرون لطيبة ولإله الدولة - أمون - ذي السيطرة على الحكومة، وما انفك ملوك نباتة يلقبون أنفسهم ب «ملوك البلدين» إلى ما بعد قرنين من سيطرتهم القصيرة على الدلتا. وكذلك الفراعنة كانوا يباهون بأنهم سادة بلاد النوبة مع أنهم أضاعوا كل سلطان لهم هنالك منذ زمن طويل، وذلك ضرب من عناد المستبدين الذين لا يتنزلون عن ولايات يخسرونها، ولكن ملوك ذلك الزمن كانوا يقومون بحملات على رأس جيوشهم. وقد طعن توتموزيس الأول ملك النوبة بيده وبالقرب من الشلال الثالث.
وغابت هالة الملوك تلك في القرون القادمة، وصار الحكم قبضة الكهنة وأسدل ستار النسيان على العادات المصرية، واستبدلت لغة شعبية، حلت وحدها في الوقت الحاضر، باللغة الهيروغليفية التي لم تكن في غير الكتابة الرسمية، ويأتي دور الملك قمبيز الأسطوري، ولا أحد يعرف كيف وقع ذلك. ويشيد كتاب من الأغارقة بذكر ذلك البلد العجيب بحماسة كبيرة فلا يضع أحد ما يقولون على محك النقد، ويرتد الملوك المحليون حتى الشلال الرابع ليتعذر قهرهم؛ وذلك لما لعاصمتهم الجديدة مروى من حماية بالنيل، ومن عدم جعلهم عرضة لأي اعتداء كان، ويروي استرابون أن الملوك هنالك كانوا ينتخبون من أجمل الناس وأكثرهم مهارة وأعظمهم بسالة، ثم خلف هؤلاء الأجداد القساة خلف ضعاف، فخضع هؤلاء الأعقاب لكهان كانوا يقولون إن الآلهة هي التي تملي عليهم أوامرهم الغادرة، وكانوا من السلطان ما يفرضون الانتحار معه على الملوك، ووجد من هؤلاء الملوك واحد فقط لم يمكن الكهنة من نفسه قاتلا الكاهن الأكبر .
النيل بالقرب من بلاق.
وكانت الأم الملكة تقوم في أثناء صغر الملوك بشئون السلطة وصية على العرش مع إشراف الكهنة، وكانت تحتفظ بالسلطة لنفسها زمنا طويلا، وقد فتحت إحدى هؤلاء الملكات جزءا من مصر العليا ووصلت إلى أسوان وبلاق،
Shafi da ba'a sani ba