مرقمة مغروزة في الشاطئ فيدل وحده على أن الإنسان يرقب النيل، وما تراه من قرى تنعش ضفتيه فلا ينم على غير الأمس واليوم. وتبصر على ضفاف القسم الثاني من النيل أعمدة ومعابد وجنادل مشذبة وأهراما أقامها الإنسان لتكون شاهدة على مآثره منذ خمسة آلاف سنة في واحة كثيرة الضيق بالغة من الطول ألفي كيلومتر.
وليس للغرانيت الخالد، ولا للحجر الرملي القصف أن يخشى المطر ولا البرد، فلا تزال تلك الأعمدة باقية كما لو كان الإنسان الذي يقاتل الإنسان غير صانع لها، ولا يلوح شيء يجاوز صواري
2
الجواري
3
الجميلة في المكان الذي يغادر فيه النيلان المزدوجان ازدواجا أخويا أول مصر أقيم على ضفافه؛ أي في الخرطوم. وانظر إلى قباب المدينة الأهلية القائمة على النيل الأبيض والتي يبدو تلاشيها في الصحراء تجدها من الانخفاض كأبراج الإنكليز على النيل الأزرق، ولا شيء يذكر هنالك بسدوف
4
مدننا الأوروبية القديمة على ضفاف التايمس والسين والدانوب وموسقوه، وللنهر المزدوج في ذلك المكان من الجلال ما يجدر معه أن يسيطر على عاصمة كبيرة في ضفافه الأربع.
وتقع جزيرة توتي أمام ضفة النيل الأزرق اليمنى ثم أمام ضفة النيلين المتحدين، وهي ذات شواطئ منحدرة، وهي تجتذبكم بجمالها، وقد غمرها الغرين بالغنى، ولا تجد في مكان ما لنخلها من الروعة، ويمتاز نخلها باسمراره على السهب الأصفر، وينال من دوح جميزها ما يرغب فيه من الطراوة، والجزيرة ذات غاب وظلال، والجزيرة مثيرة للخيال، والجزيرة تنتهي في مجرى النهر التحتاني برأس تستره أجمة حقيقية.
وتظهر بالقرب من تلك الجزيرة جزيرات في ملتقى النيلين، وتتوارى هذه الجزيرات تحت الأمواج وقت الفيضان، ثم تكون مرة أخرى على بعض المسافة برواسب من الحصا والرمل، ويبدأ تخاصم أهل الشاطئ:
Shafi da ba'a sani ba