229

Nil: Rayuwar Kogi

النيل: حياة نهر

Nau'ikan

وماذا كانت حال الرجل النفسية حينما قبل تلك الرسالة؟ هي جعل البيض والموظفين في الخرطوم آمنين، واسترداد الكتائب، وترك شبه حكومة في هذه المدينة، وكونه آخر من يغادر السودان من البيض، والرجل جهر بغير ذلك قبل تعيينه ببضعة أيام، والرجل يجوب الصحراء أعزل وحيدا ليبلغ بلدا لا يكون له فيه سوى بضع كتائب مرابطة في الخرطوم، والرجل إذا ما جاوز الشلالات أمكن العدو أن يحيط به في تلك المدينة، وأن يقطع صلاته بالشمال والعالم المتمدن، والرجل قد أبصر ذلك عندما كان ضابطا لا ريب، والرجل - سياسيا - كان يعرف البلد ولا يجهل قوة جمهور حرض على التعصب ولا درجة بغضه للنصارى ولكل مرسل من مصر.

ولكن غوردون صليبي يعتمد على سيفه وعلى توراته، ولكن غوردون فيلسوف بوريتاني

9

يعتمد على ذكائه وعلى وجدانه. أجل، كان غوردون متسامحا إلى الغاية فكان يرضى بأن يعبد الرب على مائة وجه، غير أن المجد كان يهزه في جميع حياته فيرد جماح روح المجد في نفسه لما ينطوي عليه المجد من دنس دنيوي، ويداري روح الواجب في نفسه ككثير من النصارى السابقين، وكان في الخمسين من عمره، وكانت حياته حافلة بالمفاخر في أنحاء العالم، وكان ذا سند قليل في الوزارة فلا يتصرف في غير وسائل ناقصة. وكان كرومر في القاهرة محدود الثقة به، وكان غلادستن يتحرز منه، غير أن رئيس أركان الحرب والمهندس والحاكم العارف بالصحراء والنيل غوردون كان كأسلافه ذا حنين إلى أفريقية وإلى عمله وإلى جنوده وزنوجه وإلى المآثر، وإلى الموت على ما يحتمل.

ولم يبق شيء مما شاده هو وبيكر في الخرطوم بعد غياب خمس سنين، وما أشد ما يجب أن يكون عليه من شجاعة لكيلا ينفذ أمر الحكومة فلا يقوض المعسكر بأسرع ما يمكن، وتشتمل برقياته المطولة إلى الحكومة على قرارات مطولة، ولكنك لا تجد فيها اختلافا حول رأيه الأساسي القائل إنه لا ينبغي أن تغادر البلاد ولا الخرطوم، وكيف يحمل على الجلاء ستون ألف شخص وجندي وموظف وامرأة بغير وسائل للنقل؟

وهل يجوز ترك هؤلاء هنالك بعد أن استقبلوه كالنبي إيليا الذي ذكر في التوراة؟ ولا يمكن من الناحية العملية - ولا الناحية الأدبية - تنفيذ الأمر الصادر، ويسير غوردون مثل ضابط إذن، فيحصن الخرطوم ويتم عمل قناة طولها خمسة كيلومترات كان سلفه قد أراد بها أن يصل النيل الأزرق بالنيل الأبيض فيقطع بها خرطوم الفيل ويغدو جزيرة، ويقيم الحصون في الجزر وينتفع بشفير

10

النهر ليعسر الهجوم على هذه المدينة، ويدرب كتائبه ويشد عزائمها مخبرا إياها بورود جيش إغاثة، لا يعتقد - هو نفسه - حقيقة أمره.

ويمحي غوردن البوريتاني أمام غوردون الضابط، كما كان كرومويل، فلا يأمر بأن يحطم أمام قصره ما كان يستعمله الباشوات الذين حل محلهم من الأغلال والسياط، ويلغي حظر اقتناء الرقيق قاصدا بذلك نزع سلاح مما لدى المهدي، ويريد جلب ملك العبيد الزبير من القاهرة التي حجر فيها فيجعل السلطة بذلك قبضة السوداني القادر وحده على مقاومة المهدي، وهذه هي فكرة قطب سياسي، وهذه فكرة تجتنب في لندن لما كان من صراخ جمعية مكافحة الرق المؤلفة من سادة لم يعيشوا بين وحوش قط فكانوا ينظرون إلى الأمر من الناحية الخلقية بدلا من أن يفكروا في الأمر مليا، ومن الغرابة بمكان أن يطلب، على غير جدوى، محرر العبيد غوردون ملك العبيد لإنقاذه، شأن غوستاف أدولف

11

Shafi da ba'a sani ba