222

Nil: Rayuwar Kogi

النيل: حياة نهر

Nau'ikan

وحوالي سنة 1880، وفي أثناء ذلك الاستعباد العام بالسودان، كانت جميع الأحوال حبالى لتلد حزبا قوميا اجتماعيا، وكان لا بد من خطيب شعبي يجد كلمة السر حتى تتبعه ملايين الآدميين مع عمى كعمى بصيرة البيض.

الفصل التاسع

كان محمد أحمد فقيرا في صباه، وكان قد أذل في صغره، وكان له - ككثير من حديثي النعمة - حظ الحبوط في بدء أمره لما اشتدت به عزيمته وما اكتسبه به من عناد، وكان ابن فقير نوبي صانع لقوارب من خشب النخل بين الشلالات في دنقله، ويلازم شيخا فلم يستظهر سوى أسماء النبي التسع والتسعين، ويتعلم الكتابة والقراءة بعد حين فيبيع - ليعيش - قطع ورق مشتملة على طلاسم ضد السحر والمرض، ويلوم - ذات يوم - معلمه لمخالفته حكما دينيا ويغضب عليه معلمه ويعاقبه بوضع ملقط حول عنقه لامس لذراعه المبسوطة، ويطلب محمد العفو صاغرا، ويغدو خادما لدى مدير مدرسة لتعليم القرآن عدو أزرق لذلك المعلم.

ويقبل هذا الآبق بقبول حسن في المعسكر المقابل، ويبصر اتصافه بثلاثة أمور نافعة فيه: يبصر أن اسمه محمد، وأنه جميل العينين ناعم الشعر، وأنه أفرق الثنايا وذو خال على خده الأيمن، ويدرك أن قومه الساخطين اليائسين محتاجون إلى زعيم، ويفكر - وهو اللسن - في قدرته على تمثيل هذا الدور، ولكن كان يجب عليه أن يبدو ناسكا وليا في بدء الأمر، أو أن يعيش منزويا مع مشاهدة الجميع إياه، وأين يقضي حياة ولي ناسك مع توجيه الأنظار إليه؟

ويذكر أن أحد أعمامه كان يصنع زوارق في جزيرة كبيرة واقعة في مجرى النهر الفوقاني من الخرطوم؛ أي في مكان مركزي رائع مناسب لناسك مرئي من كل ناحية، وكانت جميع الزوارق تمتد على شواطئ هذه الجزيرة، وكان كثير من الزوارق يقف هنالك للإصلاح، وكان حجاج مكة الآتون من الغرب وتجار الرقيق الآتون من الجنوب يمرون أمامها، ويستقر محمد هنالك مثل ولي إذن، وذلك مع تقديمه زوجيه كغاسلتين عنده، وذلك مع اقتصاره في طعامه على الخضر والثمر، وكان يتلو القرآن ويعنى بشعره الجميل الطويل، وكان يتطيب بالعنبر الثمين فيثير برائحته الزكية حب الاطلاع لدى الجميع ولا سيما النساء.

ويمر بضع سنين فيعرف ولي جزيرة أبا في كل مكان، ويأتي الأولاد لمشاهدة خاله الجميل وتقبيل ثوبه الأبيض كالثلج، وتأتيه النساء بالمال، ويطلب الجنود والفلاحون طلاسم منه، يطلبها الجنود للوقاية من مزاريق عباد الأصنام، ويطلبها الفلاحون لحفظ مواشيهم من الأوبئة. وكان محمد يدعى بالزاهد لتوزيعه على الفقراء جميع ما يأتيه من الهبات، وذلك عن جهل بأن فقراء الجزيرة هم الذين يمونونه، وإذا حدث اتفاقا أن جاوز النيل وتنزه على ضفته هازجا

1

أو منشدا حاملا طاسا بيده سمي «الأب الأفلج»

2

وحياه الجميع.

Shafi da ba'a sani ba