والعجب كل العجب من مثبتي الأحوال أنهم جعلوا الأنواع مثل الجوهرية والجسمية والعرضية واللونية أشياء ثابتة في العدم لأن العلم قد تعلق بها والمعلوم يجب أن يكون شيا حتى يتوكأ عليه العلم ثم هي بأعيانها أعني الجوهرية والعرضية واللونية والسوادية أحوال في الوجود ليست معلومة على حيالها ولا موجودة بانفرادها فيا له من معلوم في العدم يتوكأ عليه العلم وغير معلوم في الوجود ولو أنهم اهتدوا إلى مناهج العقول في تصورها الأشياء بأجناسها وأنواعها لعلموا أن تصورات العقول ماهيات الأشياء بأجناسها وأنواعها لا تستدعي كونها موجودة محققة أو كونها أشياء ثابتة خارجة عن العقول أو ما لها بحسب ذواتها وأجناسها وأنواعها في الذهن من المقومات الذاتية التي تتحقق ذواتها بها لا تتوقف على فعل الفاعل حتى يمكن أن تعرف هي والوجود لا يخطر بالبال فإن أسباب الوجود غير وأسباب الماهية غير ولعلموا أن إدراكات الحواس ذوات الأشياء بأعيانها وأعلامها تستدعي كونها موجودة محققة وأشياء ثابتة خارجة عن الحواس وما لها بحسب ذواتها من كونها أعيانا وأعلاما في الحس من المخصصات العرضية التي تحقق ذواتها المعينة بها هي التي تتوقف على فعل الفاعل حتى لا يمكن أن توجد هي عرية من تلك المخصصات فإن أسباب الماهية غير وأسباب الوجود غير ولما سمعت المعتزلة من الفلاسفة فرقا بين القسمين ظنوا أن المتصورات في الأذهان هي أشياء ثابتة في الأعيان فقضوا بأن المعدوم شيء وظنوا بأن وجود الأجناس والأنواع في الأذهان هي أحوال ثابتة في الأعيان فقضوا بأن المعدوم شيء وأن الحال ثابت ساء سمعا وساء إجابة ولولا أني التزمت على نفسي في هذا الكتاب أن أبين مصادر المذاهب ومواردها واشتراك منتها إقدام العقول في مسائل الأصول وإلا لما أهمني كشف الأسرار وهتك الأستار .
وأما أصحاب الهيولي فافترقت فيها على طريقين فرقتين أحدهما إثبات هيولي للعالم مجردة عن الصور وعدوها من المبادئ الأول وهي ثالثها أو رابعها فقالوا المبادئ هي العقل والنفس والهيولي وقالوا المبادئ هو الباري سبحانه والعقل والنفس والهيولي وهي كانت مجردة عن الصور كلها فحدثت الصورة الأولى وهي الأبعاد الثلاثة فصارت جسما مركبا ذا طول وعرض وعمق ولم يكن لها قبل الصورة إلا استعداد لمجرد القبول فإذا حدثت الصورة صارت بالفعل موجودة وهي الهيولي الثانية ثم إذا لحقها الكيفيات الأربعة التي هي الحرارة والبرودة الفاعلتان والرطوبة واليبوسة المنفعلتان صارت الأركان التي هي النار والماء والهواء والأرض وهي الهيولي الثالثة ثم تتكون منها المركبات التي تلحقها الأعراض وهي الكون والفساد ويكون بعضها هيولي بعض.
الطريق الثاني هو أنهم أثبتوا الهيولي غير مجردة عن الصورة قالوا وهذا الترتيب الذي ذكرناه مقدر في العقل والوهم خاصة دون الوجود وليس في الوجود جوهر مطلق قابل للأبعاد ثم يلحقه الأبعاد ولا جسم عار عن الكيفيات ثم عرضت له الكيفيات وإنما هو عندما نظرنا في ما هو أقدم بالطبع وأبسط في الوهم والعقل.
قال أصحاب الهيولي المجردة أما إثبات الهيولي لكل جسم فأمر معقول محقق بالبرهان وذلك أن كل جسم قابل للاتصال والانفصال والتصور والتشكل بالصورة والأشكال ومعلوم أن قابل الاتصال والانفصال أمر وراء الاتصال والانفصال فإن القابل يبقى بطريان أحدهما والاتصال لا يبقى بعد طريان الانفصال وبالعكس فظاهر أن ها هنا جوهر غير الصورة الجسمية يعرض له الاتصال والانفصال معا ثم قالوا ما من انفصال واتصال معين إلا ويمكن زواله وما من شكل وصورة وحيز وجهة إلا وهو عارض لذلك الجوهر فيمكن أن يتعرى عن جميع الصور كما أمكن أن يتعرى عن كل صورة بل يجب أن يكون مبدأ الأجسام المركبة جوهر غير مركب فإن كل مركب لو كان عن مركب لتسلسل إلى غير النهاية فتركب القميص من الغزل والغزل من القطن والقطن من الأركان والأركان من العناصر وهي الهيولي القابلة للصور والكيفيات فإذا انحلت التركيبات فهي البسائط وإذا انحلت البسائط فهي الهيولي المجردة عن كل صورة القابلة لكل صورة.
Shafi 55