قالت النفاة العلم الأزلي يتعلق بالمعلومات كلها كما هي فيتعلق بوجود العالم حتى يتحقق له الوجود ويتعلق باستحالة وجوده أزلا وجواز وجوده قبل وجوده لكن المتعلق الحقيقي هو الوجود وسائر المعلومات من ضرورة ذلك التعلق ولا يستدعي ذلك التعلق في حق الباري سبحانه تقديرا وهميا وترديدا خياليا هذا كمن عرف وحدانية الباري سبحانه وتعالى في الإلهية عرف إنما سواه ليس بإلاه ولا يستدعي تعدد علوم بكل مخلوق أنه ليس بإلاه ومن عرف أن زيدا في الدار عرف أنه ليس بموضع آخر سواها ولا يستدعي ذلك أن يتعدد علمه بأنه ليس في دار عمر وبكر وخالد بل يقع ذلك معلوما لزوما ضرورة ومثل هذه المعلومات لا تتناهى ويستحيل أن يقال هذه المعلومات أشياء ثابتة حتى يكون عدم زيد في مكان كذا أو عدم كل جوهر في حيز كذا أو عدم كل عرض في محل كذا إلى ما لا يتناهى أشياء ثابتة في العدم فإن ذلك خروج عن قضايا العقل وتيه في مفازة الجهل وأما إلزام الوجود من حيث هو وجود والتحيز وقبول العرض وجميع الصفات التابعة للحدوث فمتوجه والاعتذار بأنه منفي وليس بثابت ولا شيء نقض صريح لمذهبهم فإن كل معلوم أمكن الإخبار عنه وتعلق العلم به فهو شيء ثابت عندهم ويا ليت شعري إذا لم يمكن الإخبار عن الوجود ولم يمكن تعلق العلم به فعن أي شيء يخبر وعن أي شيء يعلم وليس ذلك كالمحال الذي تمثلوا به على أن المحالات مما يعلم ويخبر عنها فهلا كانت أشياء حتى يلزم أن يكون عدم الإلهية أشياء ما والعالم بما فيه من الجواهر والأعراض أشياء ثابتة في الأزل وكما لا تتناهى المعلومات لا تتناهى الأشياء بأجناسها وأنواعها وأصنافها والعياذ بالله من مذهب هذا مآله وأما كلامكم في الصفات الذاتية أنها لا تحصل بفعل الفاعل وإنما الوجود من حيث هو وجود متعلق القدرة فشيء ما سمعوه ولم يفهموه وما أحسنوا إيراده لأنهم لم يتحققوا إصداره.
وأجابت النفاة بأن قالوا وجود الشيء وعينه وذاته وجوهريته وعرضيته عندنا عبارات عن معبر واحد وما أوجده الموجد فهو ذات الشيء والقدرة تعلقت بذاته كما تعلقت بوجوده وأثرت في جوهريته كما أثرت في حصوله وحدوثه والتميز بين الوجود وبين الشيئية مما لا يؤل إلى معنى ومعنى بل إلى لفظ ولفظ وهم على اعتقاد أن الأجناس والأنواع والعموم والخصوص فيها راجع إلى الألفاظ المجردة أو الوجوه العقلية والتقديرات الوهمية وألزموا عليهم الصفات التابعة للحدوث كالتحيز وقبول العرض وقيام العرض بالمحل فإنها ليست من آثار القدرة ثم لم يثبتوها قبل الحدوث فهلا قالوا الصفات الذاتية كلها تتبع الحدوث أيضا وربما عكسوا عليهم الأمر في التابع والمتبوع وألزموهم القول بأن التحيز يقع بالقدرة والوجود يتبعه.
وأجابوا عن سؤال التخصيص والتمييز بالمعارضة وهو أن الجواهر والأعراض لو ثبتت في العدم بغير نهاية لما تحقق القصد إلى بعضها بالتخصيص وليس يندفع الإشكال بهذا الجواب بل يزيده قوة ولزوما.
والحق أن هذه المسئلة مبنية على مسئلة الحال وقد دارت رؤوس المعتزلة في هاتين المسئلتين على طرفي نقيض فتارة يعبرون عن الحقائق الذاتية في الأجناس والأنواع بالأحوال وهي صفات وأسماء ثابتة للموجودات لا توصف بالوجود ولا بالعدم وتارة يعبرون عنها بالأشياء وهي أسماء وأحوال ثابتة للمعدومات لا تخص بالأخص ولا تعم بالأعم وذلك أنهم سمعوا كلاما من الفلاسفة وقروا شيئا من كتبهم وقبل الوصول إلى كنه حقيقته مزجوه بعلم الكلام غير نضيج وذلك أنهم أخذوا من أصحاب الهيولي مذهبهم فيها فكسوه مسئلة المعدوم وأصحاب الهيولي هم على خطأ بين من إثبات الهيولي مجرد عن الصورة كما سنرد عليهم وأخذوا من أصحاب المنطق والإلهيين كلامهم في تحقيق الأجناس والأنواع والفرق بين المتصورات في الأذهان والموجودات في الأعيان وهم على صواب ظاهر دون الخناثى من المعتزلة لا رجال ولا نساء لأنهم أثبتوا أحوالا لا موجودة ولا معدومة والصورة كالمتصور وينهدم بنيانهم بأوهى نفخة كما يتضح الحق لأوليائه بأدنى لمحة.
فنقول إذا أشار مشير إلى جوهر بعينه فنسألكم هل كان هذا الجوهر قبل وجوده شيئا ثابتا جوهرا جسميا من حيث هو هذا أم كان جوهرا مطلقا شيئا عاما غير متخصص بهذا.
Shafi 53