وكذلك الجواب عن الدخول والخروج فإنا نقول ليس بداخل في العالم ولا خارج لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات والمحدودات ولهذا لا يطلقان على الأعراض وهما كالاجتماع والافتراق والحركة والسكون وسائر الأعراض التي لا تختص بالإجرام التي لا حياة لها ولو قيل هو الله سبحانه داخل في العالم بمعنى العلم والقدرة وخارج عن العالم بمعنى التقدس والتنزيه كان معنى صحيحا كما ورد في التنزيل " وهو القاهر فوق عباده " وقد ورد " وهو معكم أينما كنتم " " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " وقوله سبحانه " إني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني " الآية بل الآيات الدالة على القرب أكثر من الآيات الدالة على بعد الفوق وكما ورد " وهو الذي في السماء إله " وورد مقرونا به " وفي الأرض إله " وبالجملة من تصور وجوده وجودا مكانيا طلب له جهة ما وانحيازا عن العالم ببينونة متناهية أو غير متناهية كما أن من تخيل وجوده زمانيا طلب له مدة وتقدما على العالم بأزمنة متناهية أو غير متناهية وكلا التخييلين باطل فهو الأول والآخر إذ ليس وجوده سبحانه زمانيا والظاهر والباطن إذ ليس وجوده مكانيا.
وأما الشك الثاني الذي أوردوه على سبيل الإلزام وهو الاتفاق من الكرامية والصفاتية أن لله سبحانه ذاتا وصفات والصفات قائمة بالذات وليست كل صفة بحيث الثانية بل بحيث الذات.
قيل من أثبت الصفات الأزلية قائمة بذات الباري تعالى ليس يعني بالقيام ما عنيتم ولا أطلق أنها بحيث هو كما أطلقتم بل يعني بالقيام وصف الباري سبحانه وتعالى بها والوصف من حيث هو وصف لا يقتضي أن يكون الموصوف بحيز وجهة ثم الحكم للوصف بأنه معنى موجود أو حال فهو بمعنى آخر وإلا فمجرد الوصف والصفة من حيث هو وصف لا يقتضي ذلك ثم إطلاق لفظ الحيث أيضا قد اتسع حتى يقال هذا في العرض من حيث هو موجود له حكم ومن حيث هو عرض له حكم وليس يعني بإطلاق لفظ الحيث إلا الاعتبار العقلي والوجوه العقلية والحاصل في هذا السؤال أن الألفاظ التي أوردوه كلها مشتركة ولفظ القائم بالذات والقائم بالغير ولفظ الدخول والخروج ولفظ الحيث والجهة وبالجملة فليعلم أن جهات الأجسام من أحكام النهايات في الأجسام حتى لو قدر مقدر جسما غير متناه بالفعل لم يكن للجهات معنى فلا يكون فوق وتحت ويمين ويسار وقدام وخلف ولذلك تتحقق إليها الإشارة ولذواتها اختصاص وانفراد من جهة أخرى وإذا كانت الأجسام كرية أي مدورة فيكون تجدد الجهات على سبيل المحيط والمحاط والفوق والسفل فيها على سبيل المركز والمحيط فإن قدر العالم كري الشكل إما تقديرا أوجد عليه حقيقة وإما تقديرا يجوز أن يوجد عليه تصورا قيل إن الباري سبحانه بجهة من العالم فيكون لا محالة محيطا بكل العالم وإلا فيخلو عن ذاته طرف من جهات الفوق وعندهم هو فوق العالم بأسره فهو خلف فيلزم عليه فوقا بالنسبة إلى من هو على الأرض على موازاة القطب الشمالي وتحت بالنسبة إلى من هو عليها على موازاة القطب الجنوبي بل يكون بعض منه فوقا وبعض منه تحتا وذلك محال وإما تعلق القلوب بالسماء ورفع الأيدي عليها والنزول إليها بل العرش قبلة الدعاء والأرض مسجد الصلاة والكعبة وجهة الوجه وموضع السجود قبلة العين وأقرب ما يكون العبد من الرب إذا كان في السجود واسجد واقترب.
Shafi 38