Ƙarshen Ƙoƙari a Ilimin Magana
نهاية الإقدام في علم الكلام
Nau'ikan
ومن العجب أنهم كما شرطوا البنية شرطوا في الروية اتصال الأشعة وهي أجسام مضيئة تنبعث عن البصر عند فتح الأجفان وهي أجسام تتشكل وتتحرك وتتعوج وتستقيم فإذا اتصل الشعاع المنبعث من الناظر بالقاعدة على حد معلوم مع الاستقامة ولم يكن ثم بعد مفرط ولا قرب مفرط أدركه الرائي فلذلك لا يرى الشيء البعيد على غاية البعد ولا يرى باطن الأجفان وإن كانت القاعدة صقيلة ارتدت الأشعة إلى الرائي فرأي عند ذلك نفسه وربما يظن أنه ينفصل عن المتلون صورة ويمتد إلى العين فينطبع وكلا المذهبين باطل.
أما القول بالأشعة التي تنبعث من العين فبطلانه بأنا نعلم قطعا أن العين على صغرها لا تتسع لأجسام تنبسط على نصف كرة العالم فإن تلك الأجسام إن كانت موجودة بالفعل محسوسة بالجفن فوجب أن يكون قدرها مثل نصف قدر كرة السماء وهذا محال وإن حدثت في ساعة الملاحظة فما السبب لحدوثها ومن المعلوم أن القدرة الحادثة لا تصلح لحدوث الأجسام والقول بتولد الأجسام أمحل ويلزم من ذلك أيضا أن جماعة من ذوي الأبصار اجتمعوا على روية شيء وجب أن يقوى إدراك الضعيف البصر الذي معهم فإن شعاعه إن قل ما في نفسه فقد تكثر بأشعتهم وإن ضعف عن حالة القوى فقد يقوى باشتراك أشعتهم فينبغي أن يستعين الضعيف كما يستعين بقوة ضوء السراج.
ثم الشعاع إن كان عرضا فيستحيل عليه الانتقال وإن كان جوهرا فلا يخلوا إما أن يبقى متصلا وإما أن لا يبقى فإن بقي فيلزم أن يتفرق ويدرك الشيء متفرقا وينبغي أن يكون مثل خط مستقيم يتحرك بتحريك الريح وينقطع بقطع الماء وإن لم يبق متصلا فلم يدرك العين بما اتصل به بل بما انفصل عنه فما اتصل بالمرئي لم يتصل بالعين وما اتصل بالعين لم يتصل بالمرئي فيلزم أن لا يتحقق له إدراك أصلا.
والقول بانتقال صورة من المرئي إلى البصر باطل أيضا فإن الصورة لو انتقلت لاحترقت العين برؤية النار وهي إن كانت عرضا فهي لا تنتقل وإن كانت جوهرا فلينقص المرئي بانفصال شيء منه ولا ينفصل شيء منه إلا بسبب ولا سبب هاهنا فهو باطل فتحقق أن الإدراك معنى في حاسة المدرك ثم يبقى هاهنا مباحثة أخرى وهي أن الإدراك هل هو إدراك لصورة في حاسة المدرك تطابق الصورة الخارجة أم هو إدراك ما في الخارج من غير توسط صورة في الحاسة وشيء آخر وهو أن محل الإدراك هو الحاسة الظاهرة من العين والأنف والفم والأذن أم هي آلات وأدوات للحاسة المشتركة بينهما فيكون الحس الحقيقي فيها حتى تجتمع المختلفات فيها ويكون الإدراك إدراكا واحدا فيظن بعض العقلاء أنه هو العلم إذ هو في الباطن ويظن بعضهم أنه إدراك أخص من العلم إذ مدركه في الظاهر والإدراكات الخمس مختلفة الحقائق حتى يكون اختلافها بالنوع أم الاختلاف راجع إلى المدركات والإحساس بها بمعنى واحد وهذا الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة.
قال المتكلمون الحواس الخمس مشتملة على إدراكات خمس تختلف أنواعها وحقائقها والإنسان يجد من نفسه أنه يرى ببصره ويسمع بأذنه كما يجد أنه يعلم بقلبه فالبصر محل الرؤية والأذن محل السمع كالقلب هو محل العلم وكما يجد التفرقة بين العلم والإدراك يجد التفرقة بين محل العلم ومحل الإدراك ولأن الذي يدرك ببصره من المرئي هو الألوان والأشكال فيستدعي ذلك مقابلة ومواجهة فالذي يدرك بسمعه من المسموع هو الأصوات والحروف ولا يستدعي ذلك مقابلة وكذلك المشموم والمذوق والملموس يستدعي اتصال الأجسام ولا يستدعيه السمع والبصر فلذلك يجوز أن يوصف الباري تعالى بأنه سميع بصير ولا يجوز أن يوصف بأنه شام ذائق لامس وكذلك لا يجوز أن يسمع الشيء من حيث يبصر ويبصر من حيث يسمع فدل ذلك على أن الإدراكات مختلفة الحقائق والمحال جميعا وهذا كله على رأي من يفرق بين الإدراك والعلم فأما من قضى بأن الإدراك علم قضى باتحاد المحل والحقيقة.
Shafi 122