أفريقي مين! لا ريب أنها تقول هذا لتستثير رجولته، أو بالأحرى مما تتخيله هي عن فحولة الأفريقي الشرقي المعهودة. لا بد إذن من أن يرفع درش رأس أفريقيا والشرق عاليا، وإلا خيب آمالها وجعل رقبة أفريقيا كالسمسمة. وكاد درش يضحك وقد خيل إليه أن شعوب أفريقيا مثلا قد اجتمعت كلها وانتخبته ليمثل رجالها في تلك المباراة، بين رجل أفريقيا وامرأة أوروبا، ولكنه لم يضحك. نظر إلى جسده هذا الذي سيدخل المباراة الخالدة فلم يجد فيه من علامات الأفريقيين شيئا كثيرا؛ فلا هو زنجي اللون، ولا قامته طول أشجار جوز الهند، ولا صدره مليء بالشعر الكث كألياف النخيل، وقال لها: هل تعتقدين أن الشرقيين والأفريقيين يعني ...؟!
قالت وهي تموء: ألا تعتقد أنت هذا؟
وضمها درش بحنان أول الأمر، ولكنه تذكر أن عليه أن يكون «أفريقيا»، فقسا في ضمته وقبلها قبلة متوحشة، فما كان منها إلا أن ضمته هي الأخرى بقسوة وقبلته.
وتضايق بعض الشيء: لماذا ترقد مستسلمة وتدع له مهمة الرجل؟ لماذا لا تتمنع قليلا؟ إن التمنع يضفي على الأنثى أنوثة ويكسب الرجل رجولة، وإيجابيتها هذه الزائدة عن الحد تضفي على أنوثتها رجولة، وعلى رجولته سلبية الأنثى، ولكن، أليس هذا هو ما أردته يا درش تماما؟ ألم ترد امرأة إيجابية تعطي نفسها بكل قوتها وإرادتها؟
وحدثت ضجة موسيقية في الصالة، ودقت الساعة نصف الساعة.
فقال لها: يبدو أن الساعات هنا أكثر من اللازم.
ولكنه في نفس الوقت كان يفكر في شيء آخر ... معنى هذه الدقة الثانية والنصف، الوقت يمضي بسرعة وهي موظفة، ودرش هو الآخر موظف ويعلم أهمية المواظبة على مواعيد الحضور. بل من المحتمل جدا أن يكون رئيسها في الشركة مثل رئيسه الدكتور نوفل ذي الشعر المشوش الذي يحمل دكتوراه لا يدري أحد فيم، والذي كل همه أن يراجع كشف الحضور والانصراف بنفسه، وكأنه أخذ الدكتوراه في مراجعة تلك الكشوف.
ولا يدري درش لم ألقى نظرة جانبية أخرى عليها، كانت صحيح عارية ولها ابتسامة لا معنى لها وبشرة صلبة بعض الشيء وأصابع رفيعة أنهكتها الكتابة على الآلة الكاتبة، ولكنها موظفة مثله.
وفي الثانية التالية كان ثائرا على نفسه، فالطريق الذي كانت تسلكه أفكاره طريق إذا داوم على السير فيه لانتهى الأمر بكارثة. عليه أن يركز خواطره ولا يجعلها تتشتت وتتبعثر. عليه أن يصم أذنيه ويغمض عينيه، ولتكن موظفة أو عاطلة، المهم أنها الآن أمامه أنثى عارية من دم ولحم، على فراش واحد معه في حجرة مغلقة، وقد عثر عليها بعد طول عناء وطول يأس.
وبدأ درش يعاملها كأنثى، أخذ يدها وقبلها ووضعها على خده، وأحس ببرودة معدنية تنغمش جلده فرفع يدها ... كان في أصبعها البنصر دبلة، فترك هذه اليد وتناول الأخرى وراح يجريها على خده. ولكنه في نفس الوقت كان يفكر في زوجها، لا بد أنه هو الشخص الذي رأى صورته موضوعة في برواز الكومودينو المجاور للسرير. وتحرك رأسه حتى أصبح في استطاعته أن يواجهه، كان سمينا بعض الشيء ويبتسم في سذاجة إذ لم يكن هناك أبدا أي داع للابتسام، وكان حليق اللحية والشارب وشعره خفيف، وقال لها: أنت متأكدة أن زوجك لن يأتي الليلة؟
Shafi da ba'a sani ba