وضحكت بل خجلت، وتأكد أن خجلها خجل حقيقي فعلا مثل خجل المرأة في القاهرة وفي كل مكان، فقد كان مصحوبا باحمرار خديها وسقوط أجفانها فوق عينيها. - أبدا ليس محرجا بالمرة، ولك حق فيه. ولا أعرف كيف أقول لك ما أريد قوله ... ولكن ... أنت تعلم ... لا تؤنبني على هذا ولكنه الحقيقة: الحقيقة أننا هنا في الغرب نسمع عن الشرق كثيرا، وعن غموضه ورجاله وسحره، وطالما داعب خيالي الأمير الشرقي الأسمر. داعب خيالي وأنا بنت مراهقة، وحتى وأنا متزوجة وأم. وحين رأيتك خيل إلي أني عثرت عليه وأنها فرصة العمر. لا تلمني أرجوك، ولكنها فرصة العمر، ولو لم تكن أنت قد صعدت إلى الترام ورائي لهبطت أنا في المحطة التالية وعدت إليك. وقد كذبت عليك: إني أقيم مع زوجي فعلا، ولكنه سافر إلى كوبنهاجن من أسبوع، وهو موظف في الخطوط الجوية الإسكندنافية.
كانت تقول هذا وعيناه منخفضتان حائرتان بين تتبع عملية خلع جواربها وبين استراق النظر إلى ساقيه المنتصبتين أمامها. وكان كلامها لا ينساب انسيابا طبيعيا، أحيانا تتوقف ... وأحيانا تتردد ... وأحيانا تدغم الكلمات. وتوقفت برهة ثم رفعت إليه عينيها وواجهته قائلة: أهل أجبت عن سؤالك يا أميري الشرقي؟ - أجل يا امرأة أحلامي الأوروبية.
قال درش هذا وقلبه يخفق خفقات يعرفها تماما، تلك الخفقات التي يحسها حين يقدم على أمر رائع خطير، هي الأخرى كانت لها أحلامها في الرجل الشرقي الممتلئ بالرجولة ذي الجواري والحريم، وهو جاء خصيصا ليبحث عن المرأة الأوروبية ذات الشخصية والحضارة، فيا له من لقاء.
إنه ينتظر منها الكثير، وهي بدورها لا بد تنتظر منه الكثير. فمن أين يبدأ المقدمات؟ لا بد من عمل قليل من المقدمات. وبدأ درش يهيئ نفسه ولم يكن هذا سهلا، فالأحداث كانت كثيرة ومتتابعة ... ولم يكن لديه أي وقت لاستيعابها. ولا يزال لا يصدق كيف أن المرأة التي قابلها في الشارع منذ ساعة بلا أي أمل حتى في الحديث معها، كيف أصبحت الآن طوع بنانه. ولكن سواء أستوعب عقله الوضع أم لم يستوعبه، عليه أن يظل سيد الموقف، عليه أن يحدد بالضبط متى يبدأ في المقدمات.
ولكنه وجد نفسه بعد ثانية واحدة في غير حاجة إلى المقدمات بالمرة، إذ هي لم تكتف بخلع الجوارب، فقد خلعت كل ملابسها، ووقفت أمامه كما ولدتها أمها.
ولم يكن الانزعاج الذي أحس به درش انزعاجا عاديا. كان واقفا فجلس على الكرسي وراح يحدق في جسدها العاري وقد تبخرت من عقله كل مشاكل المقدمات. إيه. ما هي حكاية هذه المرأة بالضبط؟ فلتكن قد حلمت بأميرها الشرقي كما يحلو لها، ولكن هل هذه هي الطريقة المثلى لمعاملة الأمراء الشرقيين؟
وفك رباط عنقه، وخلع جاكتته ليريها أنه ليس أقل منها جرأة، غير أنه بعد أن فعل هذا وجد نفسه يسألها: أريد الذهاب إلى الحمام ... ممكن؟
لماذا الحمام؟ لم يكن يدري، كل ما كان يريده في تلك اللحظة هو بضع ثوان يلتقط فيها أنفاسه ويهضم ما حدث.
وقالت له وهي تغلق عينيها: أول باب على يمينك.
وخرج، وكان صحيحا ما قالته، فأول باب على يمينه كان باب حمام فعلا، فتحه ودخل. وظل يعسعس على مفتاح النور حتى وجده وأضاءه، ووقف يدير رأسه في كل اتجاه. كان الحمام صغيرا جدا، تماما مثل الحمامات في مصر، وكأن ذمم أصحاب البيوت ضيقها واحد في كل زمان ومكان، حمام تحس أنه يمت أيضا إلى عائلة تسكن في شقة مزدحمة صغيرة. ولم يتفرج درش على الحمام طويلا فقد راح يهيئ نفسه لاستعمال التواليت مع أنه كان متأكدا تماما أنه ليست به حاجة إلى استعماله، كل ما في الأمر أنه ما دام قد قال لها إنه يرغب في الذهاب إلى الحمام، فعليه أن يستعمل الحمام فعلا وكأنها ستراقبه من مكانها البعيد لتعرف إن كان قد ضحك عليها أم قال لها الحقيقة.
Shafi da ba'a sani ba