Nazariyyar Juyin Halitta da Asalin Dan Adam
نظرية التطور وأصل الإنسان
Nau'ikan
ثم إن هذا التاريخ الذي كنا نعده بضع مئات من السنين، قد صرنا الآن نعده بمئات الآلاف من السنين. وكنا قبلا نعرف من التاريخ وقائع الحروب وأخبار الملوك، فصرنا الآن نطلب من التاريخ أن يدلنا على تطور الأسرة والقبيلة، بل تطور الزراعة والصناعة والحضارة.
وإنما اتجه نظرنا إلى هذه الأشياء لما سبق أن رسخ في ذهننا من نظرية التطور، التي جعلتنا ننظر إلى جماعات الإنسان وصناعاته وسائر ما يلابسه، كأنها أشياء تجري عليها سنة التطور، وأنها تتدرج من الحسن إلى الأحسن، ومن البساطة إلى التراكب.
والإنسان تسترقه الكلمات، بل كثيرا ما تكون اللغة بمرونتها سببا في تقدم الأمة كما تكون بجمودها سببا في تأخرها. فكلمة «التطور» لها الآن سلطان على العقول. فرجل السياسة يقول بكراهية الانقلابات والثورات، ويرى الجري على سنن التطور والتدرج. والمدنية تتطور وتترقى، واللغات في تطور، فإذا لم تتطور جمدت، وهلم جرا.
فلو لم تكن كلمة «التطور» موجودة لما نزعنا هذه النزعة في السياسة والعلوم والآداب والصناعات. فهذه الكلمة قد تملكتنا، وصبغت عقولنا، ووجهتنا في وجهات جديدة لم يكن يعرفها آباؤنا.
اعتبر مثلا كلمة «التقدم» فلست تجد في المعاجم العربية ما يدل على معناها الذي نفهمه منها الآن، فلم تكن الأمم العربية تفكر في التقدم. أي أنها لم تفكر في طريقة لتعميم التعليم بين الأهالي، أو في رفع مستوى الصحة العامة، أو في إيجاد نظام صناعي لتحسين حال العمال، أو غير ذلك، وإنما كان كل وال قانعا بأن تسير البلاد كما سارت في عهد سلفه، وكثير من هذه القناعة كان يرجع إلى أن هذه الكلمة بمعناها الحديث لم تكن معروفة؛ لأن للكلمات سلطانا على العقل، بل نحن نفكر بالكلمات.
وكذلك الحال في كلمة «التطور»، فإنها غرست في الأذهان فكرة تدرج الأحياء ورقيها جيلا بعد جيل. فصار للرقي أساس طبيعي، وصارت مخالفته من الفرد أو الأمة أو الحكومة أشبه شيء بخروج على السنن الطبيعية، وصرنا نغضب من الحكومة التي لا تفكر في ترقية التعليم أو ترقية الزراعة أو نحو ذلك، أو التي تنكر حق الأمة التطوري في الرقي الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، لأن فكرة التطور قد جعلتنا ننزع هذه النزعة.
ثم إن لنظرية التطور فضلا آخر في فهم طبيعة الإنسان فلا يمكن فيلسوفا أن يعرف كنه النفس الإنسانية ما لم يعرف تطور الجهاز العصبي في الإنسان وعلاقته بالأحياء الدنيا، والعوامل التي جعلته يرقى إلى مستواه الحاضر. بل إن فلسفة «فرويد» مبنية كلها على أن أهم ما في خواطر الإنسان وأخلامه وهواجسه يرجع إلى الغريزة الجنسية التي هي أهم وأقوى غرائز الحيوان، فالحيوان الذي يقاتل ويموت من أجل الأنثى لا يزال حيا في الإنسان حتى في بعض طرق عبادته وفي فنونه الجميلة التي يمارسها الآن وينسبها إلى أرقى الأعمال الذهنية.
بل لا يمكن فهم بعض أمراضنا وكيفية علاجها ما لم نفهم نظرية التطور، فبعض أنواع الجنون «ردة» من الإنسان إلى الحيوان القديم، الذي لا يزال كامنا مقهورا فينا قد تغلبت عليه إنسانيتنا، فبعض المجانين يزحف ويتسلق ويقعد قعدة القردة، وقد استفاد الطب الحديث من نظرية التطور فترك علاج الأعشاب، وعمد إلى العلاج بخلاصات الحيوان، مثل الهرمونات؛ أي: مفرزات الغدد الصم، ونجح في ذلك، وذلك لأن التطور يدلنا على أن مصلحة النبات تخالف بل تناقض مصلحة الحيوانات، ولذلك كثيرا ما يحتمي النبات منه بالحسك والمرارة والسم، فلا يمكن أن نعتمد عليه في اتخاذ دواء منه. أما الحيوان فإن تركيبه هو تركيبنا، وما ينفعه ينفعنا، ولا عبرة بما يحدث اتفاقا كإمكان التعالج من الحمى بنبات الكينا، كما أنه لا عبرة بأن الحيوان يعيش على النبات؛ لأن للنبات مصلحة في ذلك لنقل بذوره من مكان إلى آخر.
وكثير أيضا من جرائم المجرمين يرجع إلى أنه «ردة» لأن أسلافنا كانوا يمارسون هذه الجرائم كأنها أعمال لا حرج فيها.
وكذلك رجل التعليم لا يمكنه أن يدرك طبيعة الطفل ما لم يفرض أنه حيوان صغير فيه غرائز القردة، وأن طبيعته تتكشف من الحيوان إلى الإنسان، ففي الطفل والقردة، كليهما، غريزة الاستطلاع، وفيهما حب التسلق والتلصص، وفي أحلام الطفل ما يذكرنا بحياة الغابة والنوم على الأشجار، إذ معظم ما يراه الطفل في نومه أنه يهوي ساقطا فيتنبه قبل أن يتردى، وهذا الحلم هو من الوساوس القديمة التي كانت تنتاب أسلافنا وهم يعيشون كما تعيش القردة الآن على الأشجار.
Shafi da ba'a sani ba