Nazariyyar Macrifa
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Nau'ikan
The Analyst ، ولا يخفى أن سبب خصومته لهذا العلم هو إيمانه الذي لا يريد أن ينافسه في اليقين شيء. أما في
Siris
فينصب النقد على العلم الطبيعي السائد في عصره، ويحتشد الكتاب بآراء صوفية مضادة تماما للروح العلمية الأصيلة (مع ملاحظة أن الكتاب قد ظهر في عام 1744، وأن أواسط القرن الثامن عشر كان نقطة بداية الحركة العلمية الضخمة التي دفعتها إلى الأمام أفكار نيوتن).
وهكذا يريد باركلي للعالم أن يكون مظهرا لروح تدب فيه، فتصور أن إدراكاتنا كلها نابعة عن الله الذي يبعثها فينا، بحيث تصبح الأشياء، وأذهاننا في حاجة دائمة إلى الروح الإلهية وعلى صلة مستمرة بها، وفي سبيل ذلك يفضل تصوير الشعوب القديمة للعالم على أنه حيوان حي، بوصفه تصويرا أكثر روحية، ويمهد مباشرة لتصور العالم على أنه يحيا بالروح الإلهية العاقلة المنبثة فيه،
9
ويصل إلى قمة التصوف حين يقول: «لا الحامض ولا الملح ولا الكبريت ولا الهواء ولا الأثير ولا النار الجسمية المنظورة ولا شبح القدر أو الضرورة هو الفاعل الحقيقي، بل إننا نصعد - عن طريق تحليل مؤكد وارتباط وارتقاء منتظم - من خلال كل هذه الوسائط إلى إدراك لمحة من المحرك الأول، غير المنظور وغير الجسمي وغير الممتد، الذي هو المصدر العقلي للحياة والوجود.»
10
وإذن، فلم تكن المسألة عند باركلي مسألة تفكير نظري حول طبيعة المعرفة أو طبيعة العالم الخارجي، يستخلص منه رأي معين في فكرة الله أو نتائج معينة في الأخلاق، كما حاول باركلي أن يقنعنا في النص الذي أوردناه في بداية الحديث عنه، وإنما كانت نقطة بدايته موقفا معنويا معينا، يتضمن عناصر دينية وأخلاقية واجتماعية ... إلخ، هو الذي أملى عليه الاتجاه المثالي الذي سارت فيه فلسفته النظرية في ميدان نظرية المعرفة والميتافيزيقا، ولنختم هذه المناقشة بإيراد الفقرة الأخيرة من كتاب «مبادئ المعرفة البشرية»، وهي فقرة يستخلص منها بوضوح الهدف الأصيل لفلسفته: «إن ما يستحق المكان الأول من دراستنا هو البحث في الله وفي واجبنا، «ولما كان القيام بذلك البحث هو الدافع والهدف الأول لأعمالي»، فإني سأعد هذه الأعمال عقيمة لا جدوى منها إن لم أثر في قرائي - بما قلته - إحساسا ورعا بحضور الله، وإن لم أتمكن - بإظهار زيف أو عقم تلك الأبحاث التي ينصرف إليها رجال العلم - من أن أجعل هؤلاء أكثر استعدادا لاحترام حقائق الكتاب المقدس المباركة والإحاطة بها، وهي حقائق تسمو معرفتها وممارستها بطبيعة البشر إلى أشرف مراتب الكمال.»
11
ولنشر أخيرا إشارة موجزة إلى كانت، فننبه إلى ما صرح به في كثير من كتاباته من أن الاعتبارات الأخلاقية كان لها المقام الأول في تفكيره، ومن أمثلة ذلك قوله: «من الواضح أن الغاية القصوى للطبيعة في نعمتها الحكيمة علينا موجهة - في تركيب الذهن - إلى الاعتبارات الأخلاقية وحدها.»
Shafi da ba'a sani ba