Nazariyyar Macrifa
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Nau'ikan
وعلى أية حال، فإن المنطق نفسه يؤيد هذا الاستنتاج؛ إذ إنك لا تستطيع أن تضع ما هو غير موجود بين أقواس، فعملية الوضع بين أقواس هي ذاتها أقوى دليل على أن العالم الطبيعي موجود، وعلى أن الموقف الطبيعي يفرض نفسه، وأننا لا نستطيع الخلاص منه إلا مؤقتا، وبعد عزوف وزهد وجهد.
مشكلة خارجية العالم
في هذه المشكلة يظهر أقوى تضاد بين الموقفين المثالي والطبيعي، وفيها أيضا يتمثل قصور المثالية التام في ميدان نظرية المعرفة؛ ذلك لأن المثالية - بعد ما عرضناه في الفصل السابق من حججها - يتحتم عليها أن تواجه هذا السؤال: كيف يمكن تعليل ما يسمى في الموقف الطبيعي باسم العالم الخارجي؟ أي إن المثاليين قد يستطيعون أن يقولوا: إن وجود الأشياء هي كونها مدركة، أو أن ما ندركه من الأشياء ظواهر أو تمثلات، ومع ذلك فسيظل لزاما عليهم أن يقدموا تفسيرا لتلك الفئة من الظواهر التي نسميها في موقفنا الطبيعي باسم العالم الخارحي، وأن يعللوا صفة «الخارجية» التي ننسبها إلى هذه الظواهر عادة، ونتصرف معها عمليا على أساسها، ونستطيع أن نقول: إن محاولة إيجاد هذا التفسير وهذا التعليل هي أعقد مشكلة تواجه كل فيلسوف مثالي. (1) وجها مشكلة العالم الخارجي
علينا أولا أن نفرق بين وجهين لمشكلة العالم الخارجي حدث بينهما كثير من الخلط في أذهان الفلاسفة: (أ)
أولهما: هل العالم الخارجي مستقل عن الذات، أي ذو وجود موضوعي؟ (ب)
ما شكل هذا العالم الخارجي؟ وهل هو كما يبدو لنا، أم أن له شكلا آخر؟
ولنبدأ بالسؤال الثاني، فنشير إلى ملاحظاتنا السابقة الخاصة باستحالة وجود شكل واحد للعالم في مختلف مواقف الإنسان: فالموقف العلمي - بآلاته المادية وأدواته الذهنية - يرسم للعالم صورة أو صورا لا يمكن مقارنتها بالصورة التي نرسمها له في موقفنا الطبيعي، والتي ترمي إلى خدمة أغراض مختلفة عن تلك التي يخدمها الموقف العلمي، فهناك - كما قلنا - شكل للعالم في نظر عالم الفلك، وشكل آخر في نظر عالم البيولوجيا، وشكل ثالث في نظر عالم الطبيعة، وهذه الأشكال كلها تختلف عن شكل العالم كما ندركه في حياتنا اليومية، ولكن لا يمكن أن يقال: إن واحدا منها هو الصحيح، بل إن كلا منها صحيح في مجاله الخاص فحسب، ولكن إذا لاحظنا - كما قلنا من قبل - أن الفيلسوف لا يملك الأدوات المادية أو الذهنية التي تمكنه من اتخاذ الموقف العلمي، فعندئذ يتحول السؤال السابق - بالنسبة إلى الفيلسوف على التخصيص - إلى ما يأتي: هل تستطيع الفلسفة - بفضل تحليلاتها المنطقية وحدها - أن تصل إلى صورة أخرى للعالم غير صورته في الموقف الطبيعي؟ والرد المألوف على السؤال هو: نعم؛ لأن صورة العالم - كما ندركها - متوقفة على الذات، أما العالم «في حقيقته» فله صورة أخرى، أو لا بد أن تكون له صورة أخرى.
وهكذا نجد أن الرد الفلسفي على السؤال الثاني يثير حتما السؤال الأول، أي السؤال عن توقف العالم على الذات أو اعتماده عليها، أي إن الوسيلة التي تثبت بها الفلسفات ذات النزعة المثالية إمكان وجود صورة أخرى للعالم غير صورته في الموقف الطبيعي، هي أن تؤكد عدم استقلاله عن الذات، وبالتالي اشتراك الذات في تكوين الصورة الحالية، التي هي مجرد «مظهر» تختفي وراءه صورة أخرى «حقيقية» للعالم الخارجي.
وهنا ننتقل إلى الإجابة عن السؤال الأول، وهو البحث في استقلال العالم أو وجوده الموضوعي، والنتيجة التي ينتهي إليها المثاليون في هذا الصدد هي أن تدخل الذات في تكوين صورة عن العالم الخارجي معناه أن هذا العالم ليس مستقلا عنا، وإنما هو معتمد علينا، وردنا على هذه النتيجة المثالية مزدوج: فعلينا أولا أن نثبت أن فكرة انتساب الواقع إلى الذات لا تمنع من استقلاله، وعلينا بعد ذلك أن نثبت أن العالم الخارجي يجب أن يكون «بالفعل» مستقلا عن الذات، أي أن يحتفظ بخارجيته. (2) نسبية العالم الخارجي واستقلاله
سأقدم تبريرا لرأيي - في هذا الصدد - المثالي التالي، وهو مثال له أهميته العظمى في تفنيد الحجة المثالية القائلة بعدم استقلال العالم نظرا إلى كونه منسوبا إلينا:
Shafi da ba'a sani ba