واليمين أصلها عقد أحد الشخصين يمينه بيمين الآخر وكذلك العقد أصله عقد أحدهما يده بيد الآخر وكذلك مسمى الصفقة باليمين والعقد سواء ولهذا قال تعالى {9: 1 - 14 براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين • فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين} إلى قوله {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا} إلى قوله {كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين • كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} والذمة العهد وهو العقد إلى قوله {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون • وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون • ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم} الآيات.
فذكر سبحانه أولا البراءة إلى المعاهدين إلا من كان له عهد إلى أجل ثم لم يترك شيئا مما أوجبه العقد ولم يعاون عدوا فإنه أمر بإتمام عهدهم إلى مدتهم وهذا يبين أن تلك العهود كانت مطلقة ليست إلى أجل معين وهذا خلافا لمن قال لا تجوز المهادنة المطلقة ولا أن يقول نقركم ما أقركم الله.
وادعى بعض أصحابنا الإجماع في ذلك وليس بشيء.
ثم إنه سبحانه أمر عند انقضاء الأشهر الحرم وهي الأربعة التي كانوا نسأوا فيها أن نقتلهم إذ كانوا قد نسئوا أربعة فلم يجز قتلهم قبلها ثم ذكر أن من تاب وأتى بالصلاة والزكاة وجب تخلية سبيله.
وذكر أمان المستجير ثم قال {كيف يكون للمشركين عهد} إلا من استثناه من المعاهدين عند المسجد الحرام فهؤلاء قد يكون استثناهم لتغليظ عهدهم بالمكان كما استثنى العهد الموقت بالزمان بخلاف المطلق الذي لم يؤجل بزمان ولا يغلظ بمكان ولهذا قال هنا {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} ولم يذكر لهم مدة كما ذكر لأولئك وهذا كما أن الحرم لا يبدأ فيه أحد بقتال بل من دخله كان آمنا إلا أن يبتدئ هو فيه الخيانة فكذلك المعاهد فيه عهدا مطلقا لا يبتدأ بنقض عهده إلا أن يبتدئ هو فإن ما كان مباحا في غير الحرم فإنه يكون معصوما في الحرم من دماء الصيد والشجر والآدميين (فكذلك العهود منها) * ما يباح نقضه وقتل أصحابه خارج الحرم فإذا كان فيه كان عهدا معصوما وهذا يبين أن الأيمان تغلظ في الحرم وأن اليمين فيه والعهود فيه لها حكم التغليظ.
Shafi 63