79

Nayazik Fi Tarihin Dan Adam

النيازك في التاريخ الإنساني

Nau'ikan

8

لكن لم يلتفت أحد من الباحثين لتلك الإشارات؛ ومن ثم لم تأخذ مأخذ الجد ولم تسلط عليها الأضواء؛ نظرا لأن المناخ العلمي السائد في ذلك الوقت لم يكن مهيأ لقبول فرضية أن الأجسام السماوية يمكن أن تسقط بأحجام ضخمة؛ بحيث تحدث مثل هذه الفجوات الكبيرة.

لكن يبدو أن الاهتمام بموضوع الفوهات النيزكية بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ففي عام 1891م، أشار خبير وتاجر المعادن المعروف آنذاك «أ. ي. فوت» إلى أن قطع وشظايا الحديد المتناثرة حول فجوة الأريزونا، بالولايات المتحدة، يمكن أن تكون من أصل سماوي، وليست من أصل أرضي؛ حيث أوضح «فوت» في معرض وصفه لمشاهداته عن هذه القطع الحديدية أن هذه القطع توجد على حافة منخفض دائري، وأن البحث لم يثمر عن اكتشاف أي شواهد يمكن أن تفضي إلى التعرف على وجود عمليات بركنة أرضية بالمنطقة، يمكن أن تنسب إليها هذه الشظايا الحديدية، أو ينسب إليها هذا المنخفض الدائري؛ ومن ثم فقد أشار إلى أنه من الصعب معرفة كيفية تكون هذه الظاهرة الجيولوجية. هذا ما سجله في تقريره المنشور عن شظايا الحديد التي عثر عليها حول الفوهة، والذي نشر عام 1891م بالمجلة الأمريكية للعلوم.

ويذكر بعض المهتمين بالموضوع أن «فوت» كان يعتقد - في قرارة نفسه - أن هذه القطع النيزكية هي المسئولة عن تكون هذه الفجوة الكبيرة، لكنه أحجم عن التصريح بذلك في تقريره المنشور تحسبا لانتقادات الباحثين؛ حيث ذكر أحد مرافقي «فوت» - بعد عودته من زيارة موقع الفجوة في ولاية أريزونا، إلى ولاية «فيلادليفيا» - أنه: حدثني عن الصخور التي تم رفعها، واتجاه سقوط الجسم الذي أحدث هذه الفجوة. وأشعل ذلك الحديث حماس الباحثين لتقصي الأمر. فكان اهتمام أحد الجيولوجيين الكبار «ج. ك. جلبرت» بموضوع الفوهة، في عام 1896م. ورغم أن «جلبرت» لم يصرح صراحة بالأصل النيزكي، وفضل في خلاصة تقريره عملية بركنة، إلا أن وصفه كان خادعا؛ بحيث لا ينفي احتمال حدوث صدمة نيزكية ضخمة تكون هي المسئولة عن تكون الفوهة.

9

وربما يكون الإحجام عن الاعتراف بأصلها النيزكي ناتجا عن ضخامتها؛ إذ لم يكن متخيلا آنذاك أن النيازك الضخمة يمكنها أن تسقط على الأرض.

ولا بد من الاعتراف بأن تلك الإشارات، وما صاحبها من إرهاصات وغموض حول العمليات التي يمكن أن تكون مسئولة عن تكون هذه الفجوة الضخمة، كانت وراء الاهتمام العلمي بها، الذي بدأ مع بداية القرن العشرين، حيث زار مهندس المناجم «د. م. بارينجر» موقع الفوهة في عام 1902م. كان العامل الأساسي الذي يحرك «بارينجر» للاهتمام بهذا المنخفض الدائري؛ ظنه أن الموقع لا بد وأن يحتوي على كميات كبيرة من النيكل والعناصر المهمة الأخرى؛ حيث أشارت التقديرات التي أجريت آنذاك أن القذيفة (النيزك) التي يمكنها أن تحدث هذه الفجوة الضخمة، لا بد أن قطرها يزيد عن 150 مترا، ووزنها يزيد عن حوالي 10 مليون طن؛ ومن ثم فإن كميات هائلة ليس فقط من الحديد والنيكل، بل أيضا من الكوبلت والبلاتين توجد بالموقع. وتوقع «بارينجر» أن الكتلة الرئيسية للنيزك مدفونة في قاع الفوهة، وبذلك فإن الفوهة تشكل أهمية اقتصادية، إلى جانب الأهمية العلمية؛ ومن ثم حصل على ترخيص البحث في عام 1903م. وقام بعمل عدد من الحفر بداخل الفوهة؛ بحثا عن كتلة النيزك الرئيسية المدفونة في عمق الفوهة، لكنه لم يعثر على أي جسم من الحديد النيزكي. وإن كان «بارينجر» قد فشل في إثبات فرضيته عن النيزك المدفون بالفوهة، فإن أنشطته تلك كانت، على الجانب الآخر، وراء تراكم كم هائل من البيانات حول طبيعة هذه الفوهة؛ إذ بدأ الاهتمام العلمي بالموقع والذي أسفر في النهاية، عن اعتراف شبه عام بأنها من أصل نيزكي. واعترافا بفضل «بارينجر» في هذا المجال، أطلق اسمه على هذه الفوهة، ولا تزال تسمى باسم «فوهة بارينجر»، إلى جانب عدد من الأسماء الأخرى منها، على سبيل المثال، فوهة الأريزونا، وفوهة الشهاب ... إلخ.

وفي الوقت الذي وصل فيه الخلاف، حول أصل هذه الفوهة ذروته، تم في عام 1928م اكتشاف تركيب آخر يشبه إلى درجة كبيرة تركيب فوهة الأريزونا، بالقرب من «أوديسا» بولاية «تكساس»، الولايات المتحدة أيضا. وهذا التركيب الصغير نسبيا لا يتعدى قطره 162 مترا، وعمقه 30 مترا، يتشابه إلى حد التطابق مع تركيب فوهة الأريزونا، من حيث الشكل، ووجود شظايا من نيزك حديدي، وطبقة من الحديد الطفلي، على الحواف الخارجية للتركيب، مختلطة مع الصخور التي تكون المنطقة، تماما كما هو الحال في فوهة الأريزونا. ويطلق على هذه الفوهة «فوهة أوديسا».

ولم يمض سوى عامين على اكتشاف فوهة «أوديسا»، حتى أعلن «ر. أ. ألديرمن» عن اكتشاف أول حقل للفوهات النيزكية في «هنبرى» على الحدود الشمالية لأستراليا، وذلك في عام 1930م. ويتضمن هذا الحقل الشهير حوالي 14 فوهة مختلفة الأقطار، تتناثر حولها شظايا نيزك حديدي. وتدل أشكال هذه الشظايا على أنها قطع ممزقة من كتلة كبيرة. وفي فبراير من عام 1932م، عثر «ج. ب. فليبي» على موقع فوهات «وابر»، بالربع الخالي من المملكة العربية السعودية، الذي يوجد به ثلاث فوهات نيزكية مكشوفة، وأخرى تغطيها الرمال. وفي عام 1933م، بدأ الاهتمام بموقع فوهات «كامبو ديل سيلو»، في الأرجنتين، الذي يحتوي على عدد 20 حفرة وفوهة مختلفة الأقطار، أكبرها يبلغ قطرها حوالي 90 مترا، وعمقها حوالي 5 أمتار. وفي نفس الوقت تقريبا (عام 1933م) بدأ الاهتمام بموقع فوهة «هافيلاند»، بولاية كانساس، الأمريكية، حيث تم إزالة الرواسب التي كانت تغطيها، وجمع قطع النيزك المدفونة بداخلها. ويبلغ قطر هذه الفوهة حوالي 21 مترا، وعمقها حوالي 8 أقدام.

وفي عام 1937م بدأ الأصل النيزكي لفوهات «كالجارفيه»، بجمهورية إستونيا، يلقى قبولا عاما، بعد أن اكتشفت قطع من الحديد النيزكي حولها. وتأكد للباحثين أن توزيعات قطع الحديد النيزكي حول الفوهات تشير إلى علاقة مؤكدة بين النيزك الحديدي الكبير وبين الفوهات، تماما كما هو الحال في فوهة «بارينجر». وأجريت دراسات عديدة على هذا الموقع بين عامي 1928 و1937م. ويشمل الموقع على عدد حوالي 9 حفر، وفوهات مختلفة، أكبرها يبلغ قطرها حوالي 110 أمتار، وعمقها حوالي 16 مترا.

Shafi da ba'a sani ba