بين الجميع لآل أحمد عائبا
ثم سكتوا، فقالت: يا معاوية، كلامك غشى بصري وقصر حجتي، أنا والله قائلة ما قالوا، وما خفي عليك مني أكثر. فضحك معاوية، وقال: ليس يمنعنا ذلك من برك، اذكري حاجتك. قالت: أما الآن فلا. وانصرفت، فوجه إليها معاوية بجائزة سنية.
معاوية والحسن بن علي
خرج معاوية سنة حاجا فمر بالمدينة ففرق على أهلها أموالا جزيلة، ولم يحضر الحسن بن علي، فلما حضر قال له معاوية: مرحبا مرحبا برجل تركنا حتى نفد ما عندنا وتعرض لنا ببخلنا. فقال الحسن: كيف ينفذ ما عندك وخراج الدنيا يجيء إليك؟! فقال معاوية: قد أمرت لك بمثل ما أمرت به لأهل المدينة وأنا ابن هند. فقال الحسن: قد رددته عليك وأنا ابن فاطمة الزهراء.
معاوية ووالداه
قال أبو حازم الأعرج لسليمان بن عبد الملك: إنما السلطان سوق، فما نفق عنده حمل إليه. ولما قدم معاوية من الشام وكان عمر قد استعمله عليها دخل على أمه هند فقالت له: يا بني، إنه قلما ولدت حرة مثلك، وقد استعملك هذا الرجل، فاعمل بما وافقه؛ أحببت ذلك أم كرهته. ثم دخل على أبيه أبي سفيان، فقال له: يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا عنهم، فرفعهم سبقهم وقصر بنا تأخرنا، فصرنا أتباعا وصاروا قادة، وقد قلدوك جسيما من أمرهم؛ فلا تخالفن أمرهم، فإنك تجري إلى أحد لم تبلغه، ولو قد بلغته لتنبعث فيه. قال معاوية: فعجبت من اتفاقهما في المعنى على اختلافهما في اللفظ.
معاوية وعمرو بن العاص
قال عمرو: رأيت معاوية في بعض أيامنا بصفين خرج في عدة لم أره خرج في مثلها، فوقف في قلب عسكره، فجعل يلحظ ميمنة فيرى الخلل؛ فيبدر إليه من ميسرة، ثم يفعل ذلك بميمنة، فتغنيه اللحظة عن الإشارة، فدخله ذهول لما رأى، فقال: يا ابن العاص، كيف ترى هؤلاء وما هم عليه؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، لقد رأيت من يسوس الناس بالدين والدنيا فما رأيت أحدا أوتي له من طاعة رعيته ما أوتي لك من هؤلاء؟ فقال: أفتدري من يفسد هؤلاء؟ قلت: لا. قال: في يوم واحد. قال: فأكثرت التعجب. قال: إي والله في بعض يوم. قلت: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كذبوا في الوعد والوعيد، وأعطوا على الهوى لا على الغنى فسد جميع ما ترى.
الزرقاء ومعاوية بن سفيان
بينما معاوية بن سفيان جالس في ديوانه بعدما آل الأمر إليه واجتمع هو والحاشية تذاكروا حرب صفين، فقال أحدهم: إنه رأى الزرقاء ابنة عدي بن قيس الهمذانية وهي راكبة على ناقة، واقفة بين الصفين تحرض الناس على القتال، ولم ترهب أحدا من الفريقين! فقال معاوية: أوهي حية إلى الآن؟! فقيل له: نعم؛ هي مقيمة بالكوفة. فقال: يجب أن نستقدمها إلينا، ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يبعث بها مع ثقة من ذوي محارمها وعدة من فرسان قومها، وأن يمهد لها وطاء لينا، ويسترها بستر حصين، ويوسع لها من النفقة، فأرسل إليها فأقرأها الكتاب، فقالت: إن كان أمير المؤمنين جعل الخيار لي فإني لا آتيه، وإن كان حتما فالطاعة أولى. فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به، فلما دخلت على معاوية، قال: مرحبا وأهلا، قدمت خير قدوم قدمه وافد، كيف حالك؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين، مات الرأس، وبتر الذنب، ولم يعد ما ذهب، والدهر ذو غير، من تفكر بصر، والأمر يحدث بعده الأمر. قال لها معاوية: أتحفظين ذلك يومئذ؟ قالت: لا، والله لا أحفظه ولقد نسيته. قال: لكني أحفظه، لله أبوك حين تقولين: «أيها الناس، ارعووا وارجعوا، إنكم قد أصبحتم في فتنة غشيتكم بها جلابيب الظلم، وجازت بكم عن قصد المحبة، فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء، لا تسمع لناعقها، ولا تنساق لقائدها، إن المصباح لا يضيء في الشمس، ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه، أيها الناس، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبرا يا معشر المهاجرين على المضض؛ فإنه قد اندمل الشتات، والتأمت كلمة الحق، ودفع العين الظلمة، فلا يجهلن أحد فيقول: كيف؟ وأنى؟ ليقضي الله أمرا كان مفعولا، الآن آن الأوان، خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، ولهذا اليوم ما بعده، والصبر خير في الأمور عواقبا»، ثم قال لها: والله يا زرقاء؛ لقد أشركت عليا في كل دم يسفكه! قالت: أحسن الله مشاركتك، وأدام سلامتك، مثلك من يبشر بخير، ويسر جليسه. قال: أويسرك ذلك؟ قالت: نعم، والله لقد سررت بالخبر، فأنى لك بتصديق الفعل؟ فضحك، وقال لها: والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته، اذكري حاجتك. قالت: يا أمير المؤمنين، آليت على نفسي أن لا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا. ثم انصرفت، فأرسل لها معاوية جائزتها.
Shafi da ba'a sani ba