وأي شيء أعجب وأغرب بعد مقدورات الله ومصنوعاته، من القدرة على بناء جسم [جسيم] من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع ونحو سبعة عشر ذراعا يحيط به أربعة سطوح مثلثات متساوية الأضلاع، طول كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعا وهو مع هذا العظم، من إحكام الصنعة وإتقانها، في غاية من حسن التقدير بحيث لم يتأثر إلى هلم جرا بعصف الرياح وهطل السحاب، وزعزعة الزلازل. وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربي، على ما شاهدناه منهما.
وقال بعضهم وقد ذكر عجائب مصر: "وما على وجه الأرض بنية إلا وأنا أرثي لها من الليل والنهار منهما". وهذان الهرمان لهما إشراف على أرض مصر وإطلال [على] بطائحها، وإصعاد على ذراها. وهما اللذان أراد أبو الطيب المتنبي بقوله:
أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه، ما يومه، ما المصرع
كنا نظن دياره مملوءة ... ذهبا فمات وكل دار بلقع
تتخلف الآثار عن أربابها ... حينا ويدركها الخراب فتتبع
واتفق أن خرجنا يوما إليهما، فلما أطفنا بهما واستدرنا حولهما كثر تعجبا منهما، فتعاطينا القول فيهما، فقال بعضنا :
بعيشك هل أبصرت أعجب منظرا ... على طول ما أبصرت من هرمي مصر
Shafi 26