ناسخ الحديث ومنسوخه
تصنيف
الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم
(ولد في دولة الرشيد - توفي بعد الستين ومئتين)
تحقيق
عبد الله بن حمد المنصور
الطبعة الأولى
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Shafi da ba'a sani ba
الجزء الأول من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه
تأليف أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم
ما رواه عنه أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج رواية أبي الحسن علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف عنه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة عن أبي الحسين محمد بن عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه.
أخبرنا به بالإجازة له من ابن المسلمة أبو محمد طاهر بن سهل الإسفراييني، سماعٌ منه لعلي بن الحسن بن هبة الله الشافعي نفعه الله به.
1 / 29
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة قراءةً عليه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله المعروف بابن أخي ميمي إجازةً قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الخفاف الموصلي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن يعقوب الكوسج قال: قال أبو بكر الأثرم ﵀:
1 / 30
١ - باب فيمن نسي صلاة أو نام عنها فاستيقظ في وقت لا يصلى فيه
روى همام وغيره عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال: «من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك».
وروى عبد الجبار بن عباس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن النبي ﷺ قال: «من نام عن صلاة فليصل إذا استيقظ، ومن نسي صلاة فليصل إذا ذكر».
وعطاء بن السائب عن بريد بن أبي مريم عن أبيه عن النبي ﷺ: «أنه أمره فأقام الصلاة حين استيقظ فتوضأ».
ومعمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكر».
1 / 31
وكذلك أيضًا روى حريز بن عثمان عن يزيد بن صالح عن ذي مخمر عن النبي ﷺ.
وشعبة عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن النبي ﷺ لما استيقظ قال: «افعلوا كما كنتم تفعلون».
فهذه الأحاديث كلها بمعنىً واحد.
وروى بشير أبو إسماعيل عن أبي حازم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ أمرهم حين استيقظ أن يتنحوا عن ذلك المنزل قبل أن يصلوا.
وروى مثل ذلك هشام عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي ﷺ أمرهم أن يرتحلوا قبل أن يصلوا.
1 / 32
وروى حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي ﷺ أيضًا نحو هذا.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وليست كذلك، ولكن الوجه في ذلك أن منها خاص ومنها عام، فأما العام؛ فالذي أمر به النبي ﷺ بقوله؛ «فليصل إذا ذكر وإذا استيقظ، لا كافرة لها إلا ذلك» ولم يقل فليرتحل، ثم ليصل، ولم يرخص في التاخير بعد الذكر، فهذا هو الذي أمر به، وعلمه أمته، فهو العام المعمول به، وأما الخاص فإن النبي ﷺ لما ارتحل لعلةٍ قد فسرها، قال: «إن هذا وادٍ به شيطان، فارتحلوا منه» وهذا شيءٌ لا يعلمه إلا نبي فهو خاص.
1 / 33
٢ - باب تأخير الصلاة عن وقتها في الحرب
روى هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر أن النبي ﷺ صلى العصر يوم الخندق بعد غروب الشمس.
وروى أبو الزبير عن نافع بن جبير عن أبي عبيدة عن عبد الله أن المشركين شغلوا النبي ﷺ عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن بعد ما ذهب من الليل ما شاء الله ﷿.
وروى بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن ابن عباس أن النبي ﷺ صلى يوم الخندق الظهر والعصر والمغرب والعشاء بعد ما غاب الشفق.
وروى زياد بن عبد الله بن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر أن النبي ﷺ صلى الظهر والعصر يوم الخندق
1 / 34
بعد غروب الشمس.
فجاءت هذه الأحاديث بمعنىً واحد وخالفتها الأحاديث الباقية وذلك أن النبي ﷺ صلى صلاة الخوف في وقتها على ما استطاع، فهذا مخالف لذلك الفعل، فاختلفت هذه الأخبار، فبين ذلك حديث أبي سعيد. روى ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك، وذلك قول الله ﷿: ﴿وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا﴾.
فقام رسول الله ﷺ فأمر بلالًا فأقام الصلاة ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام الصلاة فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، قال: وذلك قبل أن تنزل: ﴿فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا﴾ فبين أن ذلك الفعل الذي كان يوم الخندق منسوخ.
1 / 35
٣ - باب الفتح على الإمام
روى مروان بن معاوية عن يحيى بن كثير الكاهلي عن مسور بن يزيد الأسدي، قال: شهدت النبي ﷺ يقرأ في صلاة الفجر، فترك آية فلما فرغ قيل له: تركت آية كذا، فقال: «فهلا أذكرتنيها إذًا»، يعني في الصلاة.
وروى قيس عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: تردد رسول الله ﷺ في آية في صلاة الصبح، فلم يفتحوا عليه، فلما قضى الصلاة، نظر في وجوه القوم فقال: «أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب» قالوا: لا، فرأى القوم أنه إنما تفقده ليفتح عليه.
وروى محمد بن إسحاق عن أبي إسحاق عن الحارث
1 / 36
عن علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: «لا تفتح على الإمام».
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، والوجه فيها أن الحديثين الأولين أصح، وإن كانا ليسا بأقوى الأحاديث، لأن حديث الحارث عن علي قد ثبتت فيه علل توهنه، منها: أنه قد جاء عن علي من رواية من هو أوثق من الحارث خلاف ذلك:
روي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال علي ﵇: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، فهذه علة.
ومن ذلك أن غير محمد بن إسحاق رواه عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ﵁ موقوفًا، فهذه علتان.
1 / 37
ومن ذلك أن أبا إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها، فهذه ثلاث. ومن ذلك أن الحارث متهم في الرواية، قد تكلم فيه نبلاء الناس: الشعبي فمن دونه.
1 / 38
٤ - باب الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة
روى زيد بن أسلم عن ابن عمر عن صهيب أن النبي ﷺ كان إذا سلم عليه وهو يصلي أشار بيده.
وروى هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن بلال عن النبي ﷺ مثله.
وروى إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن أبي الزيبير عن جابر أنه سلم على النبي ﷺ وهو يصلي فأشار إليه.
وروي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: «من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد».
فهذا الحديث في ظاهره مخالف لتلك الأحاديث وفيه علتان:
1 / 39
إحداهما: أنه ليس بقوي الإسناد.
والعلة الأخرى: أنه إن كان محفوظًا فقد يكون له وجه، أن تكون الكراهية في الإشارة في حوائج الدنيا من البيع والشراء والأمر والنهي فأما رد السلام فلا.
1 / 40
٥ - باب النوم في المسجد
روى الزهري عن سالم عن أبيه، وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نبيت في عهد رسول الله ﷺ في المسجد ونقيل فيه.
ومن ذاك أيضًا اعتكاف النبي ﷺ في المسجد ومبيته فيه، روي ذلك من وجوه.
وروى ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن ابن زياد عن سعد بن أبي وقاص أن النبي ﷺ خرج على ناس من أصحابه وهم رقود في المسجد فقال: «انقلبوا، فإن هذا ليس لكم بمرقد».
وروى داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن
1 / 41
عمه عن أبي ذر قال: رآني النبي ﷺ نائمًا في المسجد فضربني برجله، وقال: ألا أراك نائمًا فيه»، قلت: يا نبي الله غلبتني عيني.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، والأولى أثبت التي جاءت بالرخصة، لأن حديث سعد إسناده مجهول منقطع، وحديث أبي ذر فيه رجل ليس بمعروف وهو عم أبي حرب، وليس فيه أيضًا بيان نهي.
1 / 42
٦ - باب في الثلاثة يصلون جماعة كيف يقومون
روى زيد بن الحباب عن أفلح بن سعيد عن بريدة بن سفيان عن غلام لجده يقال له: مسعود أنه قام مع النبي ﷺ هو وأبو بكر فجعلهما خلفه.
وعن جابر عن النبي ﷺ أيضًا مثل هذا.
وعن سمرة عن النبي أيضًا مثل هذا.
وأما ابن مسعود فروى عن النبي ﷺ إذا كانوا ثلاثة أن يصفوا معًا، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره.
فاختلفت هذه الأحاديث، فنرى أن حديث ابن مسعود هو المنسوخ، وبيان ذلك: أن ابن مسعود روى عن النبي ﷺ هذا الحديث فذكر فيه التطبيق، وذكر فيه أن يكون أحدهما عن يمين الإمام والآخر عن يساره، فلما قال عمر وسعد وغيرهما
1 / 43
ما يدل على أن التطبيق منسوخ، علمنا أن ابن مسعود إنما حكى فعل النبي ﷺ الأول، وعلمنا أن ابن مسعود هو أقدم إسلامًا وسنًا من الذين رووا ما ذكرنا أن يكون الرجلان خلف الإمام مسعود وجابر وسمرة.
1 / 44
٧ - باب الإيماء في الماء والطين
روى هشام بن أبي عبد الله [عن] يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد أنه رأى النبي ﷺ يسجد في ماءٍ وطين، قال: حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهته وأرنبته.
وروى كثير بن زياد عن عمرو بن [عثمان] بن يعلى بن أمية عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فصلى بهم على رواحلهم يوميء إيماءً.
فاختلف هاذان الخبران في ظاهرهما وإنما الوجه في ذلك أن يعمل بهما جميعًا، فحديث أبي سعيد فيما جف من
1 / 45
البلل والطين وأمكن السجود عليه، وإن علق بالوجه بلله.
وحديث يعلى بن أمية فيما لم يمكن السجود عليه من كثرة الماء والطين.
1 / 46
٨ - باب في الركعتين إذا جاء الإمام يخطب
روى شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي ﷺ قال: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين».
وروى أبو الزبير عن جابر.
والأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: «أن النبي ﷺ أمر سليكًا الغطفاني أن يصلي ركعتين حين دخل وهو يخطب».
وروى ابن عجلان عن عياض عن أبي سعيد: «أن النبي ﷺ رأى رجلًا دخل المسجد في هيئة بذة، فأمره أن يصلي ركعتين، وقال: «إنما أمرته أن يصلي ركعتين حتى تفطنوا له فتصدقوا عليه».
1 / 47