نظرت إليه، كان ينظر إلى الأعلى، إلى الماضي الجميل الذي انعكس في بريق عينيه، هاتان العينان الحانيتان، كيف لي أن أكافئهما وأعتذر منهما؟ شعرت بألفة عجيبة تجاهه، مشى إلى الأمام باتجاه الزاوية، وجثى على ركبتيه، وقال: «تعالي.» استجبت له وجثوت حيث كان، رأيت نقوشا أسفل الجدار للحروف اللاتينية:
S.H.K ، وعدة خطوط ودوائر، سألته: «وإلى أي قرن تعود هذه النقوش؟» ضحك وقال: «لعام 1994م، ربما، نقشناها أنا وأولاد عمي سامر وكامل.» اقتربت من النقش أتأمله، ثم التفت إليه وأنا لا أزال جاثية على ركبتي، كان راكعا فوقي تقريبا مستندا بذراعه على الجدار فوق رأسي، ولأول مرة أراه قريبا مني هكذا. شعرت بوخز لذيذ في قلبي، وغمرني إحساس بالاحتواء والأمان، ودخلت في لحظة سرمدية من الهناء. شعرت بثقل غريب في جفني وكأن النعاس هبط هكذا فجأة علي، وراودني خوف يهزأ بي، فاستجبت آسفة لهذا الأخير ووقفت. وفي لحظة واحدة خرجت من سموات الجنة إلى أرض الواقع، وعدت إلى البيت.
3
تزوج سعيد في أجواء احتفالية بسيطة، تم كل شيء في سلاسة تامة، على الرغم من اعتراضات أمي الكثيرة على العروس؛ فهي كبيرة وعليها كلام كثير، كما أنها ليست من مستوانا، أما ما أثار عجبي حقا فهو موقف أهلها الذين انقلبوا من المعارضة التامة إلى القبول المطلق، هل كان هذا من فعل بريق الذهب وسحره في النفوس؟ لا يهم؛ فقد اجتمع الحبيبان، ورقص قلبي فرحا.
اجتمع من بقي من أهلنا وأهل العروس في بيتنا، وانتهى العرس مع أذان العشاء، هكذا صارت الاحتفالات في حلب بعد الحرب تبدأ وتنتهي باكرا، تذكرت أيام زمان حين كان يبدأ الحفل بعد منتصف الليل. اختلطت أصوات الاحتفال بأصوات قذائف بعيدة، وامتزجت الضحكات بدموع أمي، وتناوشت في قلبي المشاعر؛ الفرح بسعيد والغصة لغياب نادر. بعدها أخذ العريس عروسه ليباتا في فندق الميريديان، ثم سافر سعيد عائدا إلى قطر لينهي معاملات استقدام العروس الجميلة.
في اليوم التالي كتبت على صفحتي:
هل يكون الإنسان خائنا إذا نسي أحبابه الراحلين وسمح لروحه بالفرح؟ «سلامة روحك» جاءني تعليق مباشرة من الملك على منشوري الأول، تأملته مليا، حسنا، ضغطت زر الإعجاب بتعليقه، وحين هممت بكتابة رد ظهر منشور جديد له كتب فيه:
بعض الأرواح لا يليق بها إلا الفرح.
خفق قلبي وابتسمت في سري، إنه يستعير كلماتي، هل حقا يقصدني أنا؟ كان علي أن أضغط زر الإعجاب بمنشوره الجديد لكنني لم أفعل، وأشغلت نفسي بتصفح منشورات الأصدقاء، بعد دقائق كتبت على صفحتي:
الحرب لعنة سوداء تغرس أنيابها في كل قلب سعيد.
Shafi da ba'a sani ba