Asalin 'Yancin Dan Adam: Waiwaye Kan Tarihi
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Nau'ikan
لكن حدثت هناك طفرة مفاجئة في تطور هذه الممارسات في النصف الثاني من القرن الثامن عشر؛ صارت سلطة الآباء المطلقة على أبنائهم موضع تساؤل، وبدأت جموع الناس تشاهد العروض المسرحية أو تنصت إلى الموسيقى في هدوء، نافس فن تصوير الأشخاص وتصوير مشاهد الحياة اليومية هيمنة اللوحات الزيتية التي تتناول الأساطير والتاريخ التابعة للرسم الأكاديمي، وانتشرت الروايات والصحف، مما أتاح وصول قصص الحياة العادية إلى أيدي قاعدة كبيرة من الجموع، وبدأ الناس يستهجنون كلا من التعذيب الذي كان جزءا من العملية القضائية، وأشكال العقاب البدني الأكثر تطرفا. كل هذه التغيرات أسهمت في تعزيز الإحساس بالانفصال وامتلاك كل فرد لجسده ، بالإضافة إلى إمكانية التعاطف مع الآخرين.
ولأفكار التكامل الجسدي والتفرد التعاطفي، التي نتعرض لها في الفصول التالية، تاريخ لا يختلف عن تاريخ حقوق الإنسان، التي تجمعها بها صلة وثيقة. وبعبارة أخرى، بدا أن التغيرات التي طرأت على وجهات النظر حدثت بدون سابق إنذار في منتصف القرن الثامن عشر. تأمل على سبيل المثال مسألة التعذيب؛ ففي الفترة ما بين عامي 1700 و1750، أشارت معظم استخدامات كلمة «التعذيب» في اللغة الفرنسية إلى الصعوبات التي جابهها الكاتب عندما كان يقدح زناد فكره للعثور على التعبير الموفق. في هذا أشار ماريفو عام 1724 إلى «تعذيب ذهن المرء كي يخرج بالتأملات». أما ذلك التعذيب المصرح به قانونيا للحصول على الاعترافات باقتراف جريمة أو أسماء شركاء الجريمة، فقد بات قضية جوهرية بعدما هاجم مونتيسكيو هذه الممارسات في كتابه «روح القوانين» (عام 1748)؛ ففي واحدة من أكثر الفقرات التي صاغها تأثيرا، يؤكد قائلا: «كتب عدد هائل من الرجال الشجعان والعباقرة في مناهضة هذه الممارسة (التعذيب القضائي) حتى إنني لا أجرؤ على أن أنبس ببنت شفة من بعدهم.» ثم يمضي قدما في حديثه في كلمات أكثر غموضا فيقول: «كنت سأقول إنها قد تليق بالحكومات المستبدة، حيث كل شيء يثير الخوف يعد جزءا من أدوات الحكومة؛ كنت سأقول إن الرقيق وسط اليونانيين والرومانيين ... لكنني أسمع صوت الطبيعة يعارضني بقوة.» وتقدم البداهة هنا أيضا - في قوله «صوت الطبيعة يعارضني بقوة» - أساس النقاش. وقد لحق بالركب بعد مونتيسكيو فولتير وكثيرون غيره، لا سيما بيكاريا الإيطالي. وبحلول ثمانينيات القرن الثامن عشر، بات إلغاء التعذيب والأشكال الوحشية للتعذيب البدني من المواد الهامة في مذهب حقوق الإنسان الجديد.
15
وقدمت التغيرات التي طرأت على ردود الفعل تجاه أجساد الآخرين والذوات الدعم الرئيسي للأساس العلماني الجديد للسلطة السياسية، ومع أن جيفرسون كتب أن «خالقهم» حباهم بحقوقهم، فإن دور الخالق انتهى عند هذه النقطة. فالحكومة لم تعد تعتمد على الله، ناهيك عن الاعتماد على تفسير الكنيسة لإرادة الله. لقد قال جيفرسون: «أنشئت الحكومات وسط الناس كي تكفل هذه الحقوق»، وهي تستمد قوتها «من رضا المحكومين». بالمثل نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 على أن: «هدف كل اتحاد أو تجمع سياسي هو حفظ الحقوق الطبيعة التي للإنسان والتي لا يجوز مسها»، و«يستند أساس كل سيادة على الأمة في المقام الأول». وبمقتضى وجهة النظر هذه، تستمد السلطة السياسية من الطبيعة الداخلية للأفراد وقدرتهم على خلق مجتمع من خلال الرضا والقبول. وقد بحث علماء السياسة والمؤرخون هذا المفهوم عن السلطة السياسية من زوايا مختلفة، لكنهم لم يولوا الكثير من الانتباه إلى وجهة نظر الأجساد والذوات التي جعلت هذا المفهوم ممكنا.
16
وسوف يعظم نقاشي من تأثير أنواع جديدة من التجارب؛ بدءا من رؤية صور معروضة في المعارض العامة ووصولا إلى قراءة الروايات الرسائلية التي تحظى بشعبية هائلة والتي تدور عن الحب والزواج؛ فمثل تلك التجارب ساعدت في نشر ممارسات الاستقلال الذاتي والتعاطف. زعم عالم السياسة بيندكت أندرسون أن الصحف والروايات قد خلقت «المجتمع المتخيل» الذي تحتاجه القومية كي تنتعش. ويعد المصطلح الذي يمكن أن يشار إليه ب «التعاطف المتخيل» حجر أساس حقوق الإنسان وليس القومية، ولا يقصد بكلمة «متخيل» هنا معنى «الاختلاق»، بل معنى أن التعاطف يتطلب قفزة إيمانية في تصور أن شخصا آخر هو مثلك. وقد أنتجت قصص التعذيب هذا التعاطف المتخيل عن طريق رؤى جديدة للألم، كما ولدته الروايات عن طريق تحفيز أحاسيس جديدة عن الذات الداخلية، وعزز كل بطريقته الخاصة فكرة مجتمع يقوم على أشخاص مستقلين ذاتيا ومتعاطفين بإمكانهم التوحد بقيم كونية أعظم خارج محيط عائلاتهم المباشرة، أو انتماءاتهم الدينية، أو حتى بلادهم.
17
وليس ثمة طريقة سهلة أو واضحة لإثبات تأثير التجارب الثقافية الجديدة في الناس الذين عاشوا في القرن الثامن عشر أو حتى قياس هذا التأثير، ناهيك عن تأثيرها في مفاهيمهم عن الحقوق. ولقد ثبت أن الدراسات العلمية للاستجابات في عصرنا الحالي للقراءة أو مشاهدة التليفزيون صعبة للغاية، وهي التي تتمتع بمزية أن الخاضعين للتجربة أحياء يمكن تعريضهم لاستراتيجيات بحث دائمة التغير. ومع ذلك يحرز أخصائيو الجهاز العصبي وأطباء علم النفس الإدراكي بعض التقدم في ربط بيولوجية المخ بالنتائج النفسية وبالنتائج الاجتماعية والثقافية في نهاية الأمر. لقد أثبتوا - على سبيل المثال - أن القدرة على تأليف القصص تقع في نطاق بيولوجية المخ، وتعد مهمة للغاية في تكوين أي فكرة عن النفس. وتؤثر أنواع معينة من التلف الذي يلحق بالمخ على فهم القصص، وثمة أمراض مثل مرض التوحد توضح أن القدرة على التعاطف - أي القدرة على الاعتراف بأن الآخرين لديهم ذهن مثل ذهنك - لها أساس بيولوجي. بيد أن هذه الدراسات لا تتناول غالبا سوى طرف واحد فحسب من المعادلة، وهو الجانب البيولوجي. فمع أن معظم الأطباء النفسيين، بل حتى بعض أخصائي الأعصاب، متفقون على أن المخ نفسه يتأثر بالقوى الاجتماعية والثقافية، فقد كانت دراسة مثل هذا التفاعل أكثر صعوبة. بالفعل ثبت أن دراسة النفس ذاتها عملية غاية في الصعوبة. ونحن نعلم أن لنا تجربة تتمثل في أن لكل منا نفسا، لكن علماء الأعصاب لم يفلحوا في تحديد موقع هذه التجربة، ناهيك عن تفسير آلية عملها.
18
إذا كانت العلوم العصبية والعقلية والنفسية لا تزال متشككة في طبيعة النفس، فربما ليس من المستغرب إذن أن المؤرخين لم يحاولوا تناول هذا الموضوع بالمرة. لعل معظم المؤرخين يرون أن النفس قد شكلتها إلى حد ما العوامل الاجتماعية والثقافية، بمعنى أنها في القرن العاشر كانت تعني شيئا مختلفا تماما عما تعنيه اليوم. ومع ذلك فلا يعرف الكثير عن تاريخ النفس باعتبارها مجموعة من الخبرات؛ فقد استفاض الباحثون بشدة في الكتابة عن بزوغ الفردية والاستقلالية الذاتية باعتبارهما مذهبين، لكنهم كتبوا أقل القليل عن الكيفية التي قد تتغير بها النفس بمرور الوقت. وأتفق مع المؤرخين الآخرين في أن معنى النفس يتغير بمرور الوقت، وأظن أن تجربة النفس - وليس مجرد الفكرة - تتغير لدى بعض الناس في القرن الثامن عشر تغيرا حاسما.
Shafi da ba'a sani ba