اسكت يا قلبي حتى الممات.
وسافر الغريب بعيدا لمكافحة الأيام، والأيام تيار عنيف، أهوج، يسحب الضعفاء ويكفنهم بأمواجه ذات الزبد ثم يرميهم في بحر الظلمات! والحياة مقصف هيأته أيدي الغواني، وصفت على موائده أكواب الغبطة وأثمار الهناء، ووقفت أجواقهن على بابه تستقبل الداخلين، فمن كان عابسا كئيبا صفع وطرح خارجا.
لأن الكآبة وباء يهرب منه الآكلون والراقصون والشاربون.
سافر الغريب، وهناك بين الجماهير الأغراب عصف في قلبه شوق إلى صديق يحن ويؤاسي، فكتب إلي يقول:
في ساعة تلعب بي أمواج الحياة القاهرة أفتش على يد لطيفة أمرها على جبيني الملتهب، فدعيني أبوح بسر يغالبني وأغالبه، دعيني أقول لك: إنني شقي أكثر مما تظنين يا أخت المجاهدين في هذه الحياة!
إنها نزوة من قلب مكلوم، اغتفريها واستري؛ فالشكوى لغير الله ذل.
ورجع الغريب، وجلس إلي، وكأن صرخته تلك فككت قيود كبريائه فباح بسر عذابه، وسر نحوله، وسر خيبته، وسر حظه الأعمى! لأن الحظ اللامع أليف الفكر اللامع، وأنى للفكر أن ينور وقد أطبقت عليه ظلمات الحرمان، وتأكلته وساوس الغيرة والشك، وعشش فيه، في الثنايا منه، والحنايا والزوايا شعور واحد، لا يبرح يطن ويرن:
إنني منبوذ، إنني مكروه، إنني غريب.
أنا غريب. قال الغريب:
غريب أنا في عملي، أباشره ونفسي تنقبض، وقواي تخور، وفكرتي تتضاءل.
Shafi da ba'a sani ba