ثم من جاء بعدهم أمثال: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر١ السندي، وشرحبيل٢ بن سعد، والأربعة من تلاميذ الزهري، ثم محمد بن عمر الواقدي، ومحمد بن سعد، ثم المؤرخ العظيم الإمام الطبري، وغيرهم من أئمة السير والمغازي القدامى الذين هم الأصل في هذا العلم.
يتبيّن للناظر في تآليفهم العلمية أنهم يخصون لفظ السيرة بالغزوات والسرايا في عهد الرسول ﷺ، وما يقع فيها من قضايا متعددة الجوانب، لذلك قال الفيومي: "وغالب اسم السيرة في ألسنة الفقهاء على المغازي"٣.
وهذا المدلول الاصطلاحي استمر في الأدوار التاريخية المتلاحقة فإذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى الغزوات والسرايا وما له صلة بها قبل المعركة وبعدها.
وهناك مصادر أساسية جعلت السيرة بهذا المدلول جزءًا من موضوعاتها وبحوثها، مثل: "دلائل النبوة" للبيهقي، فقد ذكر مباحث السيرة في ثنايا عرضه لما يتصل بحياة الرسول ﷺ.
وممّن جرى على هذا المنوال من المتأخرين: ابن سيد٤ الناس في كتابه "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"، وأبو زكريا يحيى بن أبي بكر العامري في كتابه "بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل"، وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية"، فهذه الكتب جمعت بين الشمائل، وهي الصفات الخُلقية٥ والخلقية لرسول الله ﷺ، وبين الدلائل وهي البراهين على صحة نبوته ﷺ، وبين السرايا والمغازي التي تمت في حياته ﷺ وهذا الصنيع أقرب إلى مدلول لفظ السيرة من الوجهة اللغوية، لأن السيرة في اللغة العربية تدور على معنيين: