Daga Canja zuwa Halitta (Kashi na Biyu: Juyawar)
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Nau'ikan
23 (8)
وقد أورد أرسطو في كتاب البرهان شكا، أن الذي يطلب علما إما أن يطلب ما يجهله فكيف يوقن أن ما طلبه يكون علما؟ وإما أن يطلب ما يعلمه فلا يكون طلبه علما؛ ومن ثم ينتفي العلم كما يقول الشكاك، ومن يطلب علم شيء إنما يطلب في شيء آخر ما قد وجد في نفسه محصلا، إلحاقا للمجهول بالمعلوم، وإذا كان المعلوم في النفس فما وجه الحاجة إلى المجهول الذي يحيل إليه؟ وقد بين أفلاطون في «فإذن» أن العالم تذكر معتمدا على حجج سقراط. هنا لا يختلف أرسطو عن أفلاطون، ولكن توهم الناس أن ذلك تجاوز للحد خاصة من يقولون ببقاء النفس بعد مفارقتها البدن. فقد أفرطوا في التأويل، وحرفوا الأقاويل، وأجروها مجرى البراهين مع أن أفلاطون يروي عن سقراط لتصحيح أمر خفي بعلامات ودلائل، والقياس بعلامات لا يكون برهانا كما قال أرسطو في «أنالوطيقا» الأولى والثانية. كما أفرطوا في التشنيع على مدى الخلاف بين الحكيمين، وأغفلوا قول أرسطو في كتاب «البرهان» بأن كل تعليم أو تعلم يكون عن معرفة متقدمة أو مندرجة تحت علوم كلية وهو ما يتفق مع أفلاطون. ومن البين أن نفس الطفل عاملة بالقوة، تدرك بالحواس الجزئيات، وعنها تحصل الكليات، وهي العلوم على الحقيقة التي تحصل عن قصد. وقد جرت العادة وجعلها متقدمة على الإدراك الحسي وتسمى أوائل المعارف ومبادئ البرهان، وقد بين أرسطو في كتاب «البرهان» أن «من فقد حسا فقد علما». ولما كانت المعارف تحصل في النفس بغير قصد فقد لا يتذكرها، ويتوهم أنها لم تزل في النفس، وأنها لا تعلم إلا من الحس، فإذا حصلت في النفس أصبحت النفس عاقلة، فليس العقل إلا التجارب. وكلما زادت كانت النفس أتم عقلا. فإذا ما اشتاق الإنسان إلى معرفة شيء اشتاق إلى معرفة أحواله. وما تقدمت معرفته في النفس يزول عنه الجهل والحيرة، وهذا ما قاله أفلاطون من أن التعلم تذكر، وأن التذكر تكلف العلم. وهو ما عرضه أرسطو في آخر كتاب «البرهان» وكتاب «النفس» الذي شرحه المفسرون، وهو قريب مما قاله أفلاطون في «فإذن» إلا أن بين الموضعين خلافا؛ فأرسطو يذكر ذلك عندما يريد إيضاح أمر العلم والقياس في حين أن أفلاطون يذكره عندما يريد إيضاح أمر النفس. (9)
وفي قدم العالم وحدوثه وهل له صانع وعلة فاعلة يظن البعض أن أرسطو يرى أن العالم قديم في حين يرى أفلاطون أن العالم محدث. وهو ظن قبيح مستنكر بأرسطو دعا إليه قوله في كتاب «أناطوبيقا» أنه قد توجد قضية واحدة يمكن أن يؤتي على كلا طرفيها قياس من مقدمات ذائعة؛ مثل أن العالم قديم أو ليس بقديم. وأرسطو بذلك يقرب المثال ولا يقول على جهة الاعتقاد. لم يكن غرضه في «طوبيقا» بيان أمر العالم بل بيان أمر القياسات المركبة من المقدمات الذائعة. كان أهل زمانه يتناظرون: هل العالم قديم أم محدث؟ هل اللذة خير أم شر؟ وكانوا يذكرون في كل مسألة قياسات ذائعة مشهورة. والمقدمة المشهورة فيها الصدق والكذب. كما دعاهم إلى ذلك ما ذكره أرسطو في كتاب «السماء والعالم» من أن الكل ليس له بدء زماني، فظنوا أنه يقول بقدم العالم. وهو ظن غير صحيح؛ فقد تبين في الكتب الطبيعية والإلهية أن الزمان عدد حركة الفلك. وأن ذلك الزمان حادث عن حركة الفلك. فمحال أن يكون لحدوثه بدء زماني. إذن هو من إبداع الباري جل جلاله دفعة واحدة بلا زمان وحركة حدثت عنه. ومن نظر في أقواله في الكتاب المعروف بأثولوجيا لم يشتبه عليه الأمر في إثبات الصانع المبدع للعالم. فقد أبدع الباري جل ثناؤه الهيولي من لا شيء وأنها تجسمت وترتبت عن الباري سبحانه وعن إرادته. كما بين في «السماع الطبيعي» أن الكل لا يمكن حدوثه بالبخت والاتفاق. ويستدل على ذلك بالنظام البديع في أجزاء العالم في كتاب «السماء والعالم». كما بين أرسطو أمر العلل وعددها، وأثبت الأسباب الفاعلة، وأن الكون هو المحرك غير المتكون والمتحرك. وهو ما بينه أفلاطون في «طيماوس» أن كل متكون يكون عن علة مكونة اضطرارا وأن المتكون لا يكون علة لذاته كما بين أرسطو في «أثولوجيا» وجود الواحد في الكثرة، وبرهن على ذلك ببراهين واضحة مما يبين أن أجزاء العالم حدثت كلها من إبداع الباري لها، وأنه عز وجل هو العلة الفاعلة الواحد الحق ومبدع كل شيء. وهو ما بينه أفلاطون في كتبه عن الربوبية مثل «طيماوس» و«بوليطيا». كما بين أرسطو في حروفه في «ما بعد الطبيعة» كيف يترقى فيها من الباري جل جلاله في حرف اللام ثم يعود إلى بيان صحة مقدماته. كيف بعد كل هذا يقال إن أرسطو يقول بنفي الصانع وبقدم العالم؟ ولأمونيوس رسالة يذكر فيها أقاويل الحكيمين في إثبات الصانع لم يذكرها الفارابي لشهرتها. وهو الطريق الأوسط دون إفراط أو تفريط، وليس لأحد من أهل المذاهب والنحل والشرائع من العلم بحدوث العالم وإثبات الصانع وتلخيص أمر الإبداع ما لأرسطو وأفلاطون. وليس لهم إلا قدم الطبيعة وبقاؤها، وأن في الأصل كان الماء أو التراب أو الهواء أو النار، وما يقوله اليهود والمجوس وسائر الأمم فيه استحالة وتغاير وهي أضداد الإبداع مما ينتهي إلى طرح السموات والأرض في جهنم ويؤدي إلى التلاشي المحض. لولا أنقذ الله العقول والأذهان بهذين الحكيمين وأتباعهما ممن أوضحوا أمر الإبداع بحجج مقنعة وإيجاد الشيء عن لا شيء وأن كل ما يتكون من شيء فهو فاسد. والعالم مبدع من غير شيء فحاله إلى غير شيء. وكتبهما مملوءة بشواهد الربوبية ومبادئ الطبيعة لكن الناس في حيرة ولبس. وهو ما يتفق مع الأقاويل الشرعية وأنها في غاية السداد والصواب، أن الباري جل جلاله مدبر جميع العالم، لا يعزب عنه مثقال حبة من خردل ولا يفوت عنايته شيء من أجزاء العالم على السبيل الذي بيناه في العناية من أن الكلية شاملة في الجزئيات، وأن كل شيء من أجزاء العالم على السبيل الذي بيناه في العناية من أن العناية الكلية شائعة في الجزئيات، وأن كل شيء من أجزاء العالم وأحواله موضوع بأدق المواضيع وأتقنها.
24
كما يدل على ذلك علم التشريح ووظائف الأعضاء والأقاويل الطبيعية حتى يثبت الإتقان والإحكام وينتقل من الطبيعيات إلى البرهانيات. وهي موكولة لأصحاب الأذهان الصافية والعقول المستقيمة، والسياسات وهي موكولة إلى ذوي الآراء السديدة، والشرعيات موكولة إلى ذوي الإلهامات الروحانية. والشرعيات أعمها، وألفاظها خارجة على مقادير علوم المخاطبين الذين لا يؤاخذون بما لا يطيقون تصوره. وينتقل الفارابي من إثبات حدوث العالم إلى إثبات التنزيه ونفي الجسيمة عن الله والزمان والحركة وضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم. فطرق البراهين الخالصة لا يعرفها إلا الفلاسفة وفي مقدمتهم أفلاطون وأرسطو. أما البراهين المقنعة المستقيمة العجيبة النفع؛ فمنشؤها عند أصحاب الشرائع الذين عوضوا بالإبداع الوحي والإلهام، وهو ما يتفق مع رأيي الحكيمين ولا يتصور اختلافهما فيه.
25 (10)
ويقال إن أفلاطون يثبت الصور أي المثل بينما ينفيها أرسطو؛ إذ إن أفلاطون يوحي في كثير من أقاويله أن للموجودات صورا مجردة في عالم الإله، وربما يسميها المثل الإلهية. لا تفسد ولا تندثر مثل الموجودات الكائنة. وأرسطو في حروفه، كتاب ما بعد الطبيعة، شنع على هذه الأقاويل، وبين ما يلزمها من الشناعات لم يذكرها الفارابي لطولها ولشهرتها وعدم تكرارها كي يرجع إليها من يريد. إن غرضه فقط إيضاح الطرف الطالب الحق حتى لا يضل في الوقوف على اتفاق الحكيمين بعيدا عن الألفاظ المشككة. وربما يثبت أرسطو في كتابه «الربوبية» المعروف بأثولوجيا الصور الروحانية، وأنها موجودة في عالم الربوبية. وهي أقاويل إذا أخذت على ظواهرها لا تخلو من احتمالات ثلاثة؛ الأول أن يناقض بعضها بعضا، والثاني أن يكون بعضها منتحلا على أرسطو، والثالث أن تكون لها تأويلات على خلاف ظواهرها فتطابق وتتفق. أما احتمال تناقض أرسطو في علم الربوبية فبعيد مستنكر. واحتمال الانتحال أيضا بعيد لأنها أقوال بلغت قدرا كبيرا من الشهرة. لم يبق إذن إلا احتمال التأويل حتى يرتفع الشك وتذهب الحيرة. فلما كان الباري جل جلاله بأنيته وذاته مباينا لجميع ما سواه، أشرف وأفضل وأعلى، لا يناسبه ولا يشاكله ولا يشابه شيء حقيقة أو مجازا، فإنه أحيانا تطلق بعض الألفاظ المتواطئة لا تطلق عليه بل على غيره أو تطلق على نحو أشرف مثل حي وموجود. ومن عرف ذلك من الفلسفة وما بعد الطبيعة سهل عليه أن يفهم ما يقوله أرسطو وأفلاطون في الصور. إذا كان الله تعالى حيا موجودا وجب أن تكون عنده صور ما يريد إيجاده في ذاته، جل الله من كل اشتباه. ولما كان الله لا يتغير كانت الصور كذلك وإلا أوجد العالم على غير قصد وغاية وهو شنيع قبيح. هذا هو قصد الفلاسفة من إثبات الصور الإلهية كأشباح قائمة في أماكن أخرى خارج العالم مما يؤدي إلى القول بوجود عوالم غير متناهية مثل هذا العالم كما بين أرسطو في كتبه الطبيعية وشرحها المفسرون بوضوح. تحتاج الأقاويل الإلهية إلى تدبر شديد. قد تدعو الضرورة أحيانا إلى إطلاق الألفاظ الطبيعية والمنطقية المتواطئة مع تلك المعاني الإلهية الشريفة العالية عن جميع الأوصاف المتباينة والأمور الموجودة على نحو طبيعي؛ فمن الصعب اختراع ألفاظ أخرى سوى ما هو مستعمل منها. يكفي فقط جعل معانيها على نحو أشرف وأعلى مما نتخيله ونتصوره. (11)
وفي أمر النفس والعقل كنتيجة لموضوع الصور ذكر أفلاطون في «طيماوس» أن كل واحد منها عالم غير الآخر، وأنها عوالم متراتبة دون أن يكون لها مكان أو للباري مكان أعلى، فإن ذلك مستنكر عند المبتدئين في التفلسف، والأولى أن يكون كذلك عند المبرزين فيها؛ فالتراتب ليس في المكان بل في الشرف والفضيلة. وعالم العقل مثل عالم الجهل وعالم العلم وعالم الغيب دون حيز. والقول بإفاضة النفس على الطبيعة وإفاضة العقل على النفس يعني إفاضة الصور الكلية من العقل إلى النفس ومن النفس إلى الطبيعة للمعونة واللطف والعناية في حركة الأعلى عند الانطلاق من محبسها بمساعدة البدن الطبيعي شوقا إلى الاستراحة والرجوع إلى ذاتها. كل ذلك رموز وصور وخيالات لها معان تضيق العبارة عن التعبير عنها. لذلك تفهم عبارات الحكيمين على هذا النحو، وأن العقل كما بينه أرسطو في كتاب «النفس» وكذلك الإسكندر وغيره من الفلاسفة أشرف أجزاء النفس، وأنه عقل بالفعل، به تعرف الإلهيات، ويعرف الباري جل ثناؤه؛ فهو أقرب الموجودات إليه شرفا ولطفا وصفاء لا مكانا وموضوعا وحيزا. ثم تتلوه النفس لأنها متوسطة بين العقل والطبيعة؛ إذ لها حواس طبيعية. فهي متصلة من أعلى بالعقل الذي هو متصل بالباري عز وجل، ومتصلة من أسفل بالطبيعة وهو نفس المعنى الذي قصده أفلاطون؛ وبالتالي تزول الظنون والشكوك التي تجعل الحكيمين مختلفين وهما في الحقيقة متفقان على سبيل الألغاز والتشبيه كما صرح بذلك أرسطو في «أثولوجيا» حيث يصرح بأنه عندما يخلو بنفسه ويخلع بدنه يصير كأنه جوهر مجرد بلا جسم وأخلاقي في ذاته، علم وعالم ومعلوم، يرى ذاته في حسن وبهاء، ويعلم أنه جزء صغير من العالم الشريف، ويظل يترقى بذهنه إلى العالم الإلهي فيلمع بالنور والبهاء ما تعجز الألسن عن وصفه، والآذان عن سمعه. فإذا غشاه النور ولم يقو على النظر إليه هبط إلى عالم الفكر حتى يحجب عنه هذا النور، وتذكر أخاه إيرقليطوس حين أمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة بالصعود إلى عالم العقل. وهذا يمكن إدراكه بالذهن وراء الألفاظ؛ فهي ألغاز ورموز تحتاج إلى تأويل واجتهاد على عكس ما يحدث في زمن الفارابي من دوافع العصبية وطلب العيوب والوقوع في التحريف والتبديل والعجز عن الكشف والإيضاح.
26 (12)
ويرى البعض اختلاف رأيي الحكيمين في أمر المجازاة والثواب والعقاب وذلك وهم فاسد؛ فقد صرح أرسطو بأن المكافأة واجبة في الطبيعة ويقول في رسالته إلى والدة الإسكندر حين بلغها نعيه وجزعت عليه وشكت في نفسها بأن شهود الله في أرضه هي النفس العالمة التي اتفقت على أن الإسكندر أفضل المتقدمين له آثار ممدودة في أقصى الأرض، ولن يؤتي الله أحدا ما آتاه الإسكندر من اجتباء واختيار واصطفاء من الله. ومن الناس من شهدت عليه دلائل الاختيار ومنهم من لم تشهد عليه. ويعزي أرسطو والدة الإسكندر بأنها ستكون معه في زمرة الأخيار وفي صحبة النفوس الأطهار بعد أن تقدم بنفسها القرابين في هيكل ديوس مما يبين أن أرسطو يقول بالثواب والمجازاة. أما أفلاطون فقد أودع في كتاب «السياسة» القصة الناطقة بالبعث والنشور والحكم والعدل والميزان وتوفية الثواب والعقاب على الأعمال خيرها وشرها.
Shafi da ba'a sani ba