علياه، كما قال بعضهم، وقد وصف البلاغة، فقال: هي لمحة دالة، وذلك مثل امرئ القيس:
فإنْ تهلكْ شنوءةُ أو تبدلْ ... فسيري إن في غسانَ خَالا
بعزهمُ عززتِ وإن يذلُّوا ... فذلهمُ أنالكِ ما أنالا
فبنية هذا الشعر على أن ألفاظه، مع قصرها، قد أشير بها إلى معان طوال، فمن ذلك قوله: تهلك أو تبدل، ومنه قوله: إن في غسان خالا، ومنه ما تحته معان كثيرة وشرح طويل، وهو قوله: أنالك ما أنالا. ومثل قول طرفة:
موضوعها زول ومرفوعها ... كمر غيث لجب وسط ريح
فقوله زول: مشار به إلى معان كثيرة، وهو شبيه بما يقول الناس في إجمال نعت الشيء واختصاره: عجب، ومثل قول إسماعيل ابن يسار النساء:
هاج ذا القلب من تذكر جمل ... ما يهيج المتيم المحزونا
فقد أشار هذا الشاعر بوله: ما يهيج المتيم المحزونا، إلى معان كثيرة. ومثل قول امرئ القيس:
على هيكل يعطيك قبل سؤاله ... أفانين جري غير كز ولا وان
فقد جمع بقوله: أفانين جري، على ما لو عد لكان كثيرًا، وضم إلى ذلك أيضًا جميع أوصاف الجودة في هذا الفرس، وهو قوله: قبل سؤاله، أي يذهب في هذه الأفانين طوعًا ن غير حث، وفي قوله: قوله: غير كز ولا وان، ينفي عنه أن يكون معه الكزازة من قبل الجماح والمنازغة، والونى من قبل الاسترخاء والفترة.
ومثل قولا امرئ القيس أيضًا يصف ذئبًا:
فظل كمثل الخشف يرفع رأسه ... وسائره مثل التراب المدفق
وجاء خفيًا يسفن الأرض بطنه ... ترى الترب منه لازقًا كل ملزق
ففي هذا الشعر إجمال للمعاني كثير، وأوكد ما فيه من ذلك قوله: لازقًا كل ملزق. ومثل قول زهير:
فإني لو لقيتك واتجهنا ... لكان لكل منكرة كفاء
1 / 56