أجدَّك ما يبدو لك البرقُ مرَّة ... من الدَّهر إلا ماءُ عينيكَ يذرفُ
وقلبك من فرطِ اشتياقٍ كأنهُ ... يَدا لامعٍ أو طائرٌ يتصرفُ
ولرجل من عبس:
إذا الله أسقَى دمنتينِ ببلدةٍ ... من الأرض سقيَا رحمةٍ فسقاهُما
نزلنَا بهذِي نزلةً ثمَّ نزلةً ... بهذِي فطابَ المنزلانِ كلاهمَا
فبتُّ أشيمُ البرقَ مرتفِقًا به ... يدًا عن يدٍ حتَّى ونَى منكباهُما
وقال الشماخ:
رأيتُ سنَا برقٍ فقلتُ لِصاحبي ... بعيدٌ بفلجٍ ما رأيتُ سحيقُ
فباتَ مهمًا لي يذكِّرني الهوَى ... كأنِّي لبرقٍ بالحجازِ صديقُ
وباتَ فؤادِي مستخفًا كأنَّه ... خوافِي عقابٍ بالجناحِ خفوقُ
فأما النسيب نفسه فقد تقدمت أوصافنا له.
ومما أختم به القول أن المحسن من الشعراء فيه، هو الذي يصف من أحوال ما يجده ما يعلم به كل ذي وجد حاضر أو دائر أنه يجد أو قد وجد مثله، حتى يكون للشاعر فضيلة الشعر.
فمن ذلك قول أبي الصخر الهذلي، فإنه يصف ما أرى أن كل متعلق بمودة يجد مثله وهو:
أما والَّذِي أبكَى وأضحكَ والَّذِي ... أماتَ وأحيَا والَّذِي أمْرُه الأَمْرُ
لقد كنتُ آتِيها وفي النَّفْس هجْرُها ... بَتَاتًا لأخرى الدهرِ ما طلعَ الفجرُ
فما هوَ إلا أن أراها فجاءةً ... فأبهتُ لا عرفٌ لديَّ ولا نكرُ
وأنسَى الذي قد كنتُ فيهِ هجرتُها ... كما قد تنسِّى لبَّ شاربِها الخمرُ
وفي هذه القصيدة أيضًا موضع آخر دال على إفراط المحبة، ومبين عن سجية في اهل الهوى عامة، وهو قوله:
ويمنعنُيِ من بعْض إنكارِ ظلمِها ... إذا ظلمتْ يومًا وإن كان لي عذرُ
مخافةُ أني قد علمتُ لئن بَدا ... لي الهجرُ منها ما على هجرها صبرُ
وإني لا أردي إذا النفس أشرفت ... على هجرها ما يبلغن بي الهجر
1 / 44