ثم ينظر أقسام المديح وأسبابه، فيجري أمر الهجاء بحسبها في المراتب والدرجات والأقسام، ويلزم ضد المعنى الذي يدل عليه إذ كان المديح ضده الهجاء.
ولنتبع القول في الهجاء: القول في المراثي.
نعت المراثي
إنه ليس بين المرثية والمدحة فصل إلا أن يذكر في اللفظ ما يدل على أنه لهالك، مثل: كان وتولى وقضى نحبه وما أشبه ذلك، وهذا ليس يزيد في المعنى ولا ينقص منه، لأن تأبين الميت إنما هو بمثل ما كان يمدح به في حياته، وقد يفعل في التأبين شيء ينفصل به لفظه عن لفظ المدح بغير كان وما جرى مجراها، وهو أن يكون الحي وصف مثلًا بالجود، فلا يقل: كان جوادًا ولكن بأن يقال: ذهب الجود او فنم للجود بعده ومثل: تولى الجود وما أشبه هذه الأشياء.
كما قالت ليلى الأخيلية ترثي توبة ابن الحمير بالنجدة على هذه السبيل:
فليس سنانٌ الحرب يا توب بعدها ... بغازٍ ولا غادٍ بركبٍ مسافرِ
ومن الشعراء من يرثي بكاء الأشياء التي كان الميت يزاولها، وعتد ذلك ومثله يحتاج إلى أن يعلم صحة المعنى فيما يتكلم به من مثل هذه الأشياء، فإنه ليس من إصابة المعنى أن يقال ف كل شيء تركه الميت: إنه يبكي عليه، لأن من ذلك ما إن قيل إنه بكى عليه كان سبة وعيبًا لاحقين به.
فمن ذلك مثلًا إن قال قائل في ميت: بكتك الخيل إذ لم تجد لها فارسًا مثلك، فإنه مخطئ، لأن من شأن ما كان يوصف في حياته بكده إياه، أن يذكر اعتباطه بموته، وما كان يوصف بالإحسان إليه في حياته أن يذكر اغتمامه بوفاته.
ومن ذلك إحسان الخنساء في مرثيتها صخرًا وإصابتها المعنى، حيث قالت تذكر اغتباط حذفة فرس صخر بموته:
فقدْ فقدتكَ حذفةُ فاستراحتْ ... فليتَ الخيلَ فارسُها يرَاها
ولو قالت: فقدتك حذفة فبكت، لأخطأت، بل إنما يجب أن يبكي على الميت
1 / 33