فأسلم بقوله، ولاجله أصفق بنو عبد مناف على نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة من بنى مخزوم وبنى سهم وبنى جمح. ولاجله صبر بنو هاشم على الحصار في الشعب، وبدعائه وإقباله على محمد صلى الله عليه وآله أسلمت امرأته فاطمة بنت أسد. فهو أحسن رفقا وأيمن نقيبة من أبى بكر وغيره. وما منعه عن الاسلام إن ثبت أنه لم يسلم إلا تقية. وأبو بكر لم يكن له إلا ابن واحد، وهو عبد الرحمن، فلم يمكنه أن يدخله في الاسلام ولا أمكنه إذ لم يقبل منه الاسلام أن يجعله كبعض مشركي قريش في قلة الأذى لرسول الله صلى الله عليه وآله وفيه أنزل " والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي، وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ".
وإنما يعرف حسن رفق الرجل وتأتيه بأن يصلح أولا أمر بيته وأهله ثم يدعو الأقرب فالأقرب، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لما بعث كان أول من دعا زوجته خديجة ثم مكفوله وابن عمه عليا عليه السلام، ثم مولاه زيدا، ثم أم أيمن خادمته. فهل رأيتم أحدا ممن كان يأوى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسارع؟ وهل التاث عليه أحد من هؤلاء؟ فهكذا يكون حسن التأتي والرفق في الدعاء. هذا ورسول الله مقل، وهو من جملة عيال خديجة حين بعثه الله تعالى، وأبو بكر عندكم كان موسرا وكان أبوه مقترا (1)، وكذلك ابنه وامرأته أم عبد الله. والموسر في فطرة العقول أولى أن يتبع من المقتر. وإنما حسن التأتي والرفق في الدعاء ما صنعه مصعب بن عمير لسعد بن معاذ لما دعاه. وما صنع سعد بن معاذ ببنى عبد الأشهل لما دعاهم وما صنع بريدة بن الحصيب بأسلم لما دعاهم، قالوا: أسلم بدعائه ثمانون بيتا من قومه. وأسلم بنو عبد الأشهل بدعاء سعد في يوم واحد. وأما من لم يسلم ابنه ولا امرأته ولا أبوه ولا أخته بدعائه فهيهات أن يوصف ويذكر بالرفق في الدعاء، وحسن التأتي والأناة.
Shafi 316