صلى الله عليه وسلم ، والذي جاء لينتقم للمؤمنين من ظلم المماليك.
وثبت كبار المشايخ في مراكزهم وقراهم، وأعاد لهم كل الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها وأحاطهم برعاية لم يروها من قبل، ومن هؤلاء المشايخ ألف ديوانا لحكم البلاد كما فعل في الإسكندرية. ا.ه من المصادر الفرنسية.
وهكذا فتح الفرنسيون مصر واحتلوا عاصمتها، واستقروا في دور أمرائها وأسيادها، وتم لهم ما أرادوا وطارت كآبتهم التي لحقتهم في الطريق، وأخذوا يقتربون من الأهالي ويتوددون إليهم، كما رأى القارئ من عبارات الجبرتي وأقوال الكتاب الفرنساويين، وبشر نابوليون المصريين بعهد سلام ورفاهية ورقي وإصلاح وأكثر من الوعود والأماني ... فماذا تم على يد الفرنساويين؟؟ وهل كان عهدهم بمصر عهد إصلاح وسلام، أو كانت كل هاتيك الوعود والأحلام، كلاما في كلام!
هوامش
الفصل التاسع
النظام الذي وضعه نابوليون لحكومة مصر
كنت أظن قبل أن أجوس خلال هذه المباحث التاريخية، وأشغل نفسي بتحقيق نقطها وضبط موادها ، كما يليق بالمؤرخ الصادق، أن كاتبا عربيا قد حام حول الحمى، ووفى هذه الفترة القريبة منا شيئا من حقها التاريخي، ولكني لم أر واحدا ممن وضعوا المجلدات الضخام، قد أتعب نفسه وكلفها مئونة البحث الصحيح، الدال على إخلاص في خدمة التاريخ أو خدمة الوطنية، رأيتهم كلهم قد اعتمدوا على الشيخ الجبرتي، ونقلوا عنه حرفا بحرف دون تقدير لظروف الرجل وكفاءته، ومن غير نظر إلى أنه كتب تاريخه لا نقلا عن المصادر، ولا من أوراق ثابتة ذات قيمة أثرية، بل كان اعتماده على ما يصل إليه من أفواه الناس ورواة الأخبار، وغلطهم أكثر من صوابهم، هذا فضلا عن أن الشيخ الجبرتي يعترف في كتابه، أنه ابتدأ في جمعه وتنسيقه في السنة السادس والعشرين بعد المائتين والألف؛ أي: بعد ثلاثة عشر عاما من خروج الفرنساويين وستة عشر من دخولهم، فلا بد من وقوعه في أغلاط كبيرة وكثيرة، وكان من أقل الواجبات على إخواننا المؤرخين أن يلجئوا إلى المصادر الفرنسية، ويكملوا ما نقص منها، أو يقارنوا بينها وبين ما خالف منها أقوال الجبرتي، أفليس من المدهش والمحزن أن مؤرخا مشهور الاسم يلخص عن الجبرتي حرفا بحرف ويقع في أغلاطه؟ بيد أن الكتب الفرنسية موجودة مفصلة تصحح له الصواب، وتهديه إلى ساحل الحق، وإن غفرنا له ذلك لإسراعه في وضع ذلك السفر في مبدأ حياته العملية، فهل نغتفر لمثل حنا بك شارويم المصري الصميم صاحب الكتاب الكافي في أربع مجلدات ضخام؟ وهو ممن درسوا اللغة الفرنسية وتولى القضاء في المحاكم المختلطة، وما دونه في هذه النقطة التاريخية المهمة، أضعف من صاحبه وقد تابع الجبرتي في جميع أغلاطه وتخريفاته!! فالجبرتي مثلا يقول: «دخل نابوليون القاهرة في يوم الثلاثاء 10 صفر.» فينقلون عنه ذلك!!! ويقول الجبرتي بعد «وفي يوم الخميس 13 صفر أرسلوا يطلبون المشايخ.» وكيف يكون الثلاثاء 10 في الشهر والخميس 13؟ وكيف تابع أولئك المؤرخون المحققون الجبرتي في أغلاطه؟ وكيف يعقل أن نابوليون وأوامره ولوائحه ومنشوراته لترتيب شئون البلاد - كانت تنهال كالسيل عشرات في اليوم الواحد - يبقى بين الثلاثاء والخميس لا يشكل الديوان! ثم إن هنالك اختلافا في أسماء أعضاء الديوان الأول، بين صورة الأمر الرسمي الذي أصدره نابوليون، وهو محفوظ بنظارة الحربية الفرنسوية، وبين ما جاء في كتاب الجبرتي الذي جمعه بعد ست عشرة سنة!! فعلى من نعتمد؟ بالطبع لا تردد في الاعتماد على الأمر الرسمي، ولم يذكر الجبرتي شيئا عن النظام الذي وضعه نابوليون للمديريات، وتشكيل دواوين فيها للنظر في شئون الرعية، وكذلك لم يفعل مؤرخونا الحديثون! وبين نابوليون اختصاصات ديوان القاهرة، ولم يذكر الجبرتي عن هذه الاختصاصات شيئا، وكذلك فعل إخواننا المؤرخون!! وللجبرتي ألف عذر وعذر، ولكن بماذا نعتذر عن المؤرخين الحديثين؟؟
ويسوءني أيضا أنه لم يقم شخص واحد من رجال البعثات المصرية، الذين أوفدهم محمد علي وخلفاؤه إلى فرنسا، بجمع أو تعريب شيء من مئات الكتب والمذكرات المستفيضة، عن الحملة الفرنساوية بمصر، حتى بقي تاريخها مجهولا في هذه الديار، وحتى وجدنا في العشرة التاسعة من القرن التاسع عشر من يقصر اعتماده على الشيخ عبد الرحمن الجبرتي الحبشي الأزهري، ولا يعرف سواه من المصادر الصحيحة والمواد الكثيرة التي تحير المؤلف لكثرتها، وسعة مواردها، والحق يقال إن مؤلف تاريخ فرنسا الحديث، سواء أكان هو البستاني أو الدحداح، قد ألم بكثير من المعلومات والبيانات، مع أنه بعيد عن مصر، والكتاب خاص في نظره بتاريخ فرنسا، ولم يك كاتبه أو معربه مصريا، أو قاصدا وضع تاريخ لمصر، ولو كانت عبارة ذلك الكتاب فصيحة، ووجه كاتبه همته إلى تحقيق أسماء الأشخاص، والأماكن في أصلها العربي، لكان ما جاء منه في تاريخ فرنسا بمصر، يستحق الثناء والإعجاب.
لا أكتب هذه الكلمة من باب التبجح والتعالي على من كتبوا قبلي في هذه الفترة، ولكني أكتبها من قبيل التذكرة من جهة، والآسف من أخرى ... للتذكرة لمن يكتب التاريخ بعدنا، وللآسف لأني كنت أحب أن أجد الطريق أمامي ممهدا لكيما أجد من وقتي متسعا لزيادة التعمق والتحقيق والاستنتاج، ولكيلا أقع فيما لا بد أن أكون قد وقعت فيه من الأغلاط، لتشعب المسالك وقلة المادة في المصادر العربية المصرية. •••
قبل أن نذكر النظامات العديدة التي وضعها نابوليون لإدارة البلاد المصرية، والتي لم تؤد إلى نتيجة فعلية، حتى في مدة وجود الفرنساويين هنا، بل ولم يبق لها أدنى أثر بعد خروجهم، نرى من الضروري خدمة للحق والتاريخ أن نعترف أن نابوليون كان مخلصا في نية الإصلاح وإن كان لم يوفق، وإذا كانت نتيجة حملته، قد جاءت بعكس ما أراد ولم تحدث غير الخراب والدمار، وفقدان الأنفس والأموال، والإخلال بالآداب، والإفساد للأخلاق، فما ذلك إلا للظروف التي أحاطت بنابوليون وحملته، والمقتضيات التي جاءت فوق طاقته، وسنعود إلى هذا ببيان أوسع، وإيضاح أكمل، في الحكم النهائي على نتيجة الحملة الفرنساوية في مصر، بعد أن يكون القارئ قد وقف على أصول القضية وفروعها.
Shafi da ba'a sani ba